فظهر في الليلة التي ذكرنا ودخل المسجد عند أذان الصبح ومعه أصحابه، وصعد المنبر وجلس إلى أن أذن للصبح، وصاح يحيى بن عبد الله بالمؤذن وقال: أذن بحي على خير العمل. فلما لاح للمؤذن السيف أذن به، ثم نزل عليه السلام وصلى بالناس صلاة الصبح، وكان العمري حضر المسجد للصلاة، فلما أحس بالأمر دهش وتلجلج لسانه من الفزع ولم يدر بأي شيء يتكلم فصاح: أغلقوا البغلة وهو يريد الباب وأطعموني حبتي ماء. وولده يعرفون في المدينة: ببني حبتي ماء، واقتحم إلى دار عمر بن الخطاب، وخرج في الزقاق المعروف بزقاق عاصم هاربا على وجهه يسعى حتى نجا.
وصعد الحسين عليه السلام المنبر ثانيا، وخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، وفي حرم رسول الله، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله، وإلى أن أستنقذكم مما تعلمون".
وكان يقول عند المبايعة: "أبايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أن يطاع الله ولا يعصى، وأدعوكم إلى الرضا من آل محمد، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله والعدل في الرعية، والقسم بالسوية، وعلى أن تقيموا معنا وتجاهدوا عدونا، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا، وإن لم نف لكم فلا بيعة لنا عليكم".
واستخلف على المدينة رياشا الخزاعي، وخرج إلى مكة ومعه من تبعه وهم زهاء ثلاثمائة، فلما صاروا ب(فخ) لقيهم الجيوش، وقد كان حج في تلك السنة من العباسية: العباس بن محمد، وموسى بن عيسى، وجعفر ومحمد ابنا سليمان، ومن الجند مبارك التركي، وابن يقطين وغيرهما فقصدوه بأجمعهم.
صفحہ 74