بيعته عليه السلام ومدة ظهوره
قد كان عليه السلام خرج إلى البصرة قبل ظهور أخيه النفس الزكية بالمدينة داعيا إليه، وتوارى بها مدة، وكان أخوه عهد إليه ونص بالإمامة بعده عليه، فأقام هناك مدة يدعو إليه، فلما ظهرت دعوته بالمدينة أظهر هو الدعاء إليه، وذلك ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وأخذ البيعة لأخيه واستولى على البصرة، وقام بالأمر هناك على خلافته، إلى أن ورد عليه نعيه أول يوم من شوال سنة خمس وأربعين ومائة وهو يريد أن يصلي بالناس صلاة العيد، فصلى بالناس ثم رقى المنبر وخطب وذكر قتله ونعاه إلى الناس، وتمثل بهذه الأبيات:
أبا المنازل يا خير الفوارس من .... يفجع بمثلك في الدنيا فقد نجع
الله يعلم أني لو خشيتهم .... أو أوجس القلب من خوف لهم فزعا
لم يقتلوك ولم أسلم أخي لهم .... حتى نموت جميعا أو نعيش معا
ثم بكى، ثم قال: " اللهم إن كنت تعلم أن محمدا إنما خرج غضبا لك، ونفيا لهذه النكتة السوداء، وإيثارا لحقك فارحمه واغفر له واجعل له الآخرة خيرا مردا ومنقلبا من الدنيا ". ثم جرض بريقه لعظم ما ورد عليه، وتردد الكلام في فيه، وتلجلج ساعة ثم أجهش باكيا منتحبا وبكى الناس.
فلما نزل بايعه بالإمامة علماء البصرة وفقهاؤها وزهادها، وبايعه المعتزلة، ولم يتأخر عن بيعته من فضلاء البصرة أحد، إلا أن المعتزلة اختصوا به مع الزيدية، ولزموا مجلسه وتولوا أعماله، واستولى على واسط والأهوار وكورها وعلى أعمال فارس.
صفحہ 64