كتاب
إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله ﷿
تأليف
أبي بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري النحوي
(٢٧٠ - ٣٢٨ هـ)
1 / 1
كتاب
إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله ﷿
تأليف
أبي بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري النحوي ﵀
رواية أبي القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل
ابن محمد بن سويد عنه،
رواية الشيخ أبي جعفر محمد بن أحمد بن عمر بن الحسن
ابن المسلمة عنه،
سماع الشيخ أبي غالب محمد بن عبد الواحد بن الحسن القزاز،
وابنه أبي منصور عبد الرحمن نفعهما الله بالعلم
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن المسلمة قراءة عليه، وأنا أسمع فأقر به، قيل له: أخبركم أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن محمد بن سويد الشاهد قراءة عليه، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي قال:
الحمد لله الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، والظاهر الفائت نوافذ الأبصار، والباطن المدرك بوجود الآثار، والكائن من غير حدوث، والباقي إلى غير مدى ولا وقت، والقديم السابق للأزمنة، والقائم الدائم قبل الأمكنة، والعلي المتعالي عن كل
1 / 3
شيء عظمة، والقريب الشاهد لكل نجوى معرفة، والفرد المنزه عن إلحاد الملحدين، والواحد المبرأ من إشراك المشركين بالحجج القوية القاهرة، والشواهد الجلية الظاهرة، أحمده وأستعينه، وأومن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.
إن الله ﷻ وتقدست أسماؤه، عظم القرآن وشرفه وكرمه، أمر فيه ونهى، وضرب فيه الأمثال، وأوضح فيه الشرائع والأحكام، وفضله على كل الكلام فقال ﷿: ﴿وإنه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ [فصلت: ٤١، ٤٢]. وقال تعالى جدّه في موضع آخر: ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم﴾ [الزمر: ٢٣] وقال في موضع آخر: ﴿إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين﴾ [الواقعة: ٧٧ – ٨٠].
١ - وحدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا حسين بن عبد الأول
1 / 4
قال: حدثنا محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني قال: حدثنا عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «يقول الله: من شغله قراءة القرآن عن دعائي ومسألتي أعطيته أفصل ثواب الشاكرين».
وقال رسول الله ﷺ: «إن فضل كلام الله تعالى على سائره من الكلام كفضل الله على خلقه».
ووعد جل ثناؤه على تلاوته والعمل بما فيه جزيل الثواب وسنيه، من ذلك:
٢ - ما حدثنا إدريس بن عبد الكريم قال: حدثنا خلف قال: حدثنا منصور بن عطاء – رجل من أصحابنا – قال: سمعت
1 / 5
حمزة بن حبيب الزيات يحدثنا عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث عن الحارث قال: دخلت المسجد فإذا الناس قد وقعوا في الأحاديث فأتيت عليا، ﵁، فقلت: يا أمير المؤمنين ألا ترى أن الناس قد وقعوا في الأحاديث؟ فقال: أوقد فعلوها؟ فقلت: نعم. فقال: أما إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنها ستكون فتنة» قال: قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق عن رد، ولا تنقضي عجائبه [و] هو
1 / 6
الذي لم تنته الجن إذا سمعته أن قالوا: ﴿إنا سمعنا قرآنا عجبا﴾ [الجن: ١] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعي إليه هدي إلى صراط مستقيم، أو من استعصم به هدي إلى صراط مستقيم» قال: خذها إليك يا أعور.
٣ - وحدثنا علي بن محمد بن أبي الشوارب القاضي قال: حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا زائدة عن أبي حصين عن سالم بن أبي الجعد عن معاذ بن جبل قال: «من قرأ في ليلة ثلاثمائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من القانتين، ومن قرآ في ليلة ألف آية كتب له قنطار من الأجر، ووزن القنطار ألف ومائتا أوقية، الأوقية خير مما بين السماء والأرض».
1 / 7
٤ - وحدثنا الكديمي قال: حدثنا يونس بن عبيد الله العمري قال: حدثنا داود أبو بحر الكرماني عن مسلم بن شداد عن عبيد بن عمير عن عبادة بن الصامت قال: «إذا قم أحدكم من الليل فليجهر بقراءته فإنه يطرد بقراءته مردة الشياطين وفساق الجن، ون الملائكة الذين في الهواء، وسكان الدار يصلون بصلاته ويستمعون لقراءته، فإذا مضت هذه الليلة أوصت الليلة المستأنفة فقالت: تحفظي لساعاته، وكوني عليه خفيفة، فإذا حضرته الوفاة جاء القرآن فوقف عند رأسه وهم يغسلونه، فإذا غسلوه وكفنون جاء القرآن فدخل حتى صار بين صدره وكفنه فإذا دفن وجاء منكر ونكير خرج حتى صار فيما بينه وبينهما فيقولان: إليك عنا، فإنا نريد
1 / 8
أن نسأله، فيقول: والله ما أنا بمفارقه أبدًا حتى أدخله الجنة، فغن كنتما أمرتما فيه بشيء فشأنكما. قال: ثم ينظر إليه فيقول: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول: أنا القرآن الذي كنت أسهر ليلك، وأظميء نهارك وأمنعك شهوتك وسمعك وبصرك، فأبشر، فما عليك بعد مساءلة منكر ونكير من هم ولا حزن. قال: ثم يعرج القرآن إلى الله ﷿ فيسأله له فراشًا ودثارًا وقنديلًا، فيأمر له بفراش ودثار وقنديل من نور الجنة وياسمين من ياسمين الجنة، فيحمله ألف ملك من مقربي ملائكة سماء الدنيا. قال: فيسبقهم إليه القرآن فيقول: هل استوحشت بعدي؟ فإني لم أزل حتى أمر لك الله تعالى بفراش ودثار من الجنة وياسمين من الجنة، فيحملونه ثم
1 / 9
يفرشون ذلك الفراش، ويضعون الدثار عن رجله والياسمين عند صدره، ثم يضجعونه على شقه الأيمن ثم يخرجون عنه فلا يزال ينظر إليهم حتى يلجوا في السماء، ثم يدفع له القرآن في قبلة القبر فيوسع عليه مسيرة خمسمائة عام أو ما شاء الله، ثم يحمل الياسمين فيضعه عند منخريه ثم يأتي أهل كل يوم مرة أو مرتين فيأتيه بخبرهم ويدعو لهم بالخير والثواب، فإن تعلم أحد من ولده القرآن بشره بذلك، وإن كان عقبه عقب سوء أتاهم كل يوم مرة أو مرتين فبكى عليهم حتى ينفخ في الصور».
1 / 10
٥ - وحدثنا سليمان بن يحيى الضبي قال: حدثنا محمد، يعني ابن سعدان، قال: وحدثنا عبد الوهاب عن بشر بن نمير عن القاسم، مولى خالد بن يزيد، قال: أخبرني أبو أمامة أن النبي ﷺ قال: «من قرأ ثلث القرآن أعطي ثلث النبوة، ومن قرأ ثلثي القرآن أعطي ثلثي النبوة، من قرأ القرآن كله أعطي النبوة كلها، ويقال له يوم القيامة: اقرأه وارق بكل آية درجة، فيقرآ آية ويصعد درجة حتى ينجز ما معه من القرآن ثم يقال له: اقبض فيقبض بيده ثم
1 / 11
يقال له: اقبض فيقبض بيده، ثم يقال له: هل تدري ما بيديك فإذا في يده اليمنى الخلد، وفي الأخرى النعيم».
وأنزله [الله] تعالى بأفصح لغات العرب وأعربها وأبينها فقال: ﴿إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون﴾ [الزخرف: ٣] وقال: ﴿ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء﴾ [فصلت: ٤٤].
1 / 12
٦ - وحدثنا إدريس قال: أخبرنا خلف قال: حدثنا هشيم عن عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أو عمن سمع عبد الله، الشك من خلف، عن أبيه عن جده قال: «سمع عمر رجلًا يقرأ هذا الحرف (ليسجننه عتى حين) قال: فقال له عمر: من أقرأك هذا؟ قال: ابن مسعود. فقال عمر: ﴿ليسجننه حتى حين﴾ [يوسف: ٣٥] قال: ثم كتب إلى ابن مسعود:
سلام عليك،
أما بعد، فإن الله أنزل القرآن فجعله قرآنا عربيا مبينا، وأنزله بلغة هذا الحي من قريش، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل».
1 / 13
٧ - وحدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا محمد بن مقاتل قال: أخبرنا عمار بن عبد الملك قال: حدثني محمد بن عبد العزيز القرشي قاضي المدينة قال حدثنا أبو الزناد عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت أن رسول الله ﷺ قال: «نزل القرآن بالتفخيم».
قال محمد بن مقاتل: سمعت عمارًا يقول: ﴿عذرا أو نذرا﴾ [المرسلات: ٦].
وجاء عن النبي ﷺ وعن أصحابه وتابعيهم ﵃ من تفضيل إعراب القرآن والحض على تعليمه وذم اللحن وكراهيته ما وجب به على قراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه، من ذلك:
1 / 14
٨ - ما حدثنا سليمان بن يحيى الضبي قال: حدثنا محمد، يعني بن سعدان، وحدثنا أبو معاوية عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه».
٩ - حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا أبو بلال - من ولد أبي موسى - قال: حدثنا قيس بن الربيع عن عاصم الأحول عن مورق العجلي قال: «كتب عمر بن الخطاب، ﵁: أن تعلموا الفرائض والسنة واللحن كما تعلمون القرآن».
قال أبو بكر: وحدث يزيد بن هارون بهذا الحديث فقيل
1 / 15
له: ما اللحن؟ فقال: النحو.
١٠ - وحدثني أبي قال: حدثنا إبراهيم بن الهيثم قال: حدثنا آدم -يعني ابن أبي إياس- قال: حدثنا أبو الطب المروزي قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه: من قرأ القرآن فلم يعربه وكل به ملك يكتب له، كما أنزل، بكل حرف عشر حسنات فإن أعرب بعضه ولم يعرب بعضه وكل به ملكان يكتبان له بكل حرف عشرين حسنة، فإن أعربه وكل به أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة).
١١ - قال: وحدثنا سليمان قال: حدثنا محمد وحدثنا أبو معاوية عن جويبر عن الضحاك قال: قال عبد الله بن مسعود: (جردوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات وأعربوه فإنه عربي والله يحب أن يعرب).
1 / 16
١٢ - وحدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد قال: حدثنا علي بن حرب عن ابن فضيل عن ليث عن طلحة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: (أعربوا القرآن).
١٣ - وحدثنا إدريس قال: حدثنا خلف قال: حدثنا محبوب عن أبي هارون الغنوي عن مسلم بن شداد الليثي عن عبيد بن عمير عن أبي بن كعب قال: (تعلموا اللحن في القرآن كما تتعلمونه).
١٤ - وحدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا الأصمعي قال: حدثنا عيسى بن عمر أن معاوية قال للناس يوما (كيف ابن زياد فيكم؟ قالوا: ظريف
1 / 17
على أنه يلحن. قال: فذاك أظرف له. يريد باللحن أفقه، يقول ألحن بحجته.
قلت فاللحن في هذا الحديث من الصواب من قول الله تعالى: ﴿ولتعرفنهم في لحن القول﴾ [محمد: ٣٠] أي في مذهبه ووجهه وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثني التيمي في هذا:
ولقد لحنت لكم لكيما تفقهوا ... ووحيت وحيا ليس بالمرتاب
قال: وأنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني:
1 / 18
وتلحن أحيا ... نًا وخير الحديث ما كان لحنًا
فمعناه: وتصيب أحيانًا لأن أول البيت:
منطق صائب وتلحن أحيا ... نا وخير الحديث ...
يقال: قد لحن الرجل يلحن فهو لحن إذا أصاب. ولحن يلحن فهو لاحن إذا أفسد.
١٥ - أخبرنا محمد قال: حدثنا إدريس قال: أخبرنا خلف قال: حدثنا حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن عمر ﵁ أتى على قوم يقرئ بعضهم بعضًا فلما رأوه سكتوا فقال: ما كنتم تتراجعون؟ قالوا: كان
1 / 19
يقرئ بعضنا بعضًا. قال: اقرؤوا ولا تلحنوا.
١٦ - وحدثني أبي قال: حدثنا أحمد بن الضحاك الخشاب قال: حدثنا إسحاق بن المنذر قال: حدثنا شريك عن جابر عن محمد بن عبد الرحمن عن زيد قال: قال أبو بكر وعمر ﵄: «لبعض إعراب القرآن أعجب إلينا من حفظ بعض حروفه».
١٧ - وحدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن واقد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا ضمرة عن إسماعيل بن عياش قال: حدثني عباد بن كثير عن زكريا بن حكيم عن الشعبي قال: قال عمر ﵁: «من قرأ القرآن فأعرب كان له عند الله أجر شهيد».
1 / 20