كل عقل إنما ثباته وقوامه فى الخير المحض، وهى العلة الأولى. وقوة العقل أشد وحدانية من الأشياء الثوانى التى بعده لأنها لا تنال معرفته. وإنما صار كذلك لأنه علة لما تحته. والدليل على ذلك ما نحن ذاكرون: أن العقل مدبر لجميع الأشياء التى تحته بالقوة الإلهية التى فيه، وبها يمسك الأشياء لأنه بها كان علة الأشياء. وهو يمسك جميع الأشياء التى تحته ويحيط بها، وذلك أن كل ما كان أولا للأشياء وعلة لها فهو ماسك لتلك الأشياء ومدبر لها ولا يفوته منها شىء من أجل قوته العالية.
فالعقل إذن رئيس جميع الأشياء التى تحته وممسكها ومدبرها، كما أن الطبيعة تدبر الأشياء التى تحتها بقوة العقل؛ وكذلك العقل يدبر الطبيعة بالقوة الإلهية. وإنما صار العقل يمسك الأشياء التى بعده ويدبر لها وتعلو قوته عليها لأنها ليست بقوة جوهرية له، بل هى قوة القوى الجوهرية لأنه علة لها. والعقل يحيط بالأكوان الطبيعية وما فوق الطبيعة — أعنى النفس فإنها فوق الطبيعة، وذلك أن الطبيعة تحيط بالكون والنفس تحيط بالطبيعة، والعقل يحيط بالنفس، فالعقل إذن يحيط بالأشياء كلها. وإنما صار العقل كذلك من أجل العلة الأولى التى تعلو الأشياء كلها لأنها علة العقل والنفس والطبيعة وسائر الأشياء. والعلة الأولى ليست بعقل ولا نفس ولا طبيعة، بلى هى فوق العقل والنفس والطبيعة لأنها مبدعة لجميع الأشياء، إلا أنها مبدعة العقل بلا توسط، ومبدعة النفس والطبيعة وسائر الأشياء بتوسط العقل. — والعلم الإلهى ليس كالعلم العقلى ولا كعلم النفس، بل هو فوق علم العقل وعلم النفس، لأنه مبدع العلوم. والقوة الإلهية فوق كل قوة عقلية ونفسانية وطبيعية لأنها علة لكل قوة؛ والعقل ذو كلية لأنه أنية وصورة، وكذلك النفس ذات كلية، والطبيعة ذات كلية. وليس للعلة الأولى كلية، لأنها أنية فقط. فإن قال قائل: لا بد من أن تكون لها كلية — قلنا: كليتها لا نهايتها، وشخصها الخير المحض المفيض على العقل جميع الخيرات، وعلى سائر الأشياء بتوسط العقل.
[chapter 9] ٩ — باب آخر
صفحہ 12