أحدهما أنه يعود إلى الباري سبحانه، والثاني أنه يعود إلى (ما بين أيديهم وما خلفهم) وقد تكلمنا على هذا الضمير في بعض ما أمليناه من الرسائل.
وأما من قال إنه تبين المعلوم، فإن حده طعن فيه، بقصوره عن الاستيعاب، لأن التبين مأخوذ من بان بمعنى انقطع، وفارق، فهو ممشعر بمفارقة العلم بحاله هذه ما كان عليه من الحال التي كان المعلوم خفيا عنه فيها، والبارئ سبحانه لا يخفى عنه خافية، ولا يشك ثم يستبين، ولهذا لا يسمى متبينا، لما في هذا من الإشعار بمعنى لا يجوز على الله سبحانه، وما يوهم معنى مستحيلا على الله فلا يطلق عليه باتفاق، إلا أن يرد فيه إذن.
وأما القاضي فعورض في حده بوجهين أحدهما اختلاف تعدي علمت وعرفت، واختلاف تعديهما يشعر باختلاف معناهما، وهذا غير صحيح، لأن التعدي تابع للألفاظ لا للمعاني، وتقول نظرت زيدا، ونظرت لزيد، ومرادك معنى واحد، والثاني يقتضي تسميته سبحانه عارفا، وأجاب القاضي عن هذا اللفظ لا ينكر [على] مطلقيه، ومن قال: إن الله يعرف السر والعلانية لم ينكر عليه، والمطابقة على ترك الإنكار يقتضي الجواز، فهذا الانفصال يتعلق النظر فيه بالنظر في السكوت هل يكون حجة، وبالنظر فيما يجوز إطلاقه على الله سبحانه وما لا يجوز، فإحدى المسألتين مبسوطة في كتب علم الكلام، والأخرى في كتب أصول الفقه، فمن تحقق ذلك هناك تحقق ما أجاب القاضي به عن هذا، وعلم صحته أو سقمه.
وأما من رأى من أصحابه أنه لابد من زيادة "المعلوم" في حده فإنه اعتل بأن فيه إشارة إلى مخالفة ابن الجبائي بإثبات علم لا معلوم فيه، وفيه أيضًا إثبات حقيقة العلم بإثبات متعلقة، وهذان وجهان ضعيفان أما الإشعار بمخالفة ابن الجبائي فلا يقول أحد أن غرض الحاد الإشعار في حده بالخلاف.
وأما التعرض إلى أحكام المحدود وحقائقه مما ليس غرض الحاد، فلا يلزم أيضا من غير خلاف.
وأما ما يقع للقاضي في بعض كتبه من زيادة على هذه الزيادة وهي قوله: على ما هو به، فمتفق على أن الإخلال به لا يفسد الحد وأما حد الأشعري والإسكافي فإنما يردان لما فيهما من الإحالة على مجهول، عنه وقع السؤال، فعن الذي يوجب كون المحل عالما، وعن الذي يعلم به المعلوم السؤال. ولا يمكن أن يعجز أحد عن حد شيء يسال عنه، إذا سلك هذه الطريقة، ورضي بالإجمال، فيقول: القدرة ما أوجبت أن يكون محلها قادرا، ويقول في سائر الصفات كذلك، مع أن في مذهب الأشعري إشارة إلى إثبات الأحوال، وأن
1 / 100