القياس، فأمر بعضهم بصفع رجل منهم، فلما عتب على ذلك، وفر، قيل له، ولعلنا قبلنا رأسك، وأدنى إلى رجل منهم رائحة خبيثة، فلما نافرها، قيل له لعلنا أشممناك المسك، وأتى بعضهم إلى بعض الأئمة مكابرا له في مذهبه، فأمر من غير الدابة التي أتاه عليها) فلما خرج عنه وطلبها، وشكا فقدها، قيل له لعلك جئت راجلا، فلم ترد عليه حتى توب عن مذهبه، ومن أبدى هذا المذهب قوم يبطن خلافه، ولهذا إنما يتفق عليه الجماعات عن تواطؤ أو أسباب دعت إلى ذلك.
وقد ذكر أبو المعالي طريقة في الرد تختص ببعضهم، وهم من نفي العلوم أصلا، فإن نفى ما علم على زعمه، فقد أثبت ما نفاه، وما قدمناه يغني عن هذا الرد، ويشتمل على إنكار مذاهب الجميع.
فصل في حد العلم
اعلم أن المقدم على ذكر حده، كيفية استخراج حده، وقد تقرر أن الحس والإدراك يؤدي إلى العقل صور المحسوسات مميزا بعضها من بعض، والإدراك والحس يتعلق بالجزئيات، فيرى البصر إنسانا ثم إنسانا، هكذا إلى ما لا ينحصر، ويطلع العقل على العدد الكثير، فيتصور منه كليا جامعا لحقيقة تلك الآحاد التي أدركها البصر واحد فواحدا، فذلك المعنى هو مطلوب العقل، والعبارات عنه مطلوب الحاد.
وكذلك العمل فيما لا يشاهد فإن الإنسان إذا حصل علما بمعلوم أحس في نفسه بالاعتقاد الذي حصل ثم لا يزال يحصل علما حتى يطلع العقل أيضا على معنى وحقيقة اجتمعت فيها تلك الأعداد وتميزت بها عن غيرها من الأجناس، وهذا المعنى أيضًا مطلوب الحاد أن يعبر عنه.
فإن وجد في اللغة التي يخاطب بها السائل عنه لفظا وجيزا لا احتمال فيه، وهو مطابق لذلك المعنى الكلي، الذي حصل في الذهن، مطابقة لا تقصير فيها ولا زيادة، فذلك هو الحد المطلوب، وإن وجد عبارة عنه يحصل منها ذلك المعنى المطلوب ولكنها ببسط وبيان، أو تركيب وتجوز إلى غير ذلك مما يستعمل في الشرح والتبيين كان ذلك تفسيرا ورسما.
وإن لم يجد عبارة أصلا فذلك لا يحد، ولا يفسر، لكن يحال فيه على ما تقرر في
1 / 93