الاعتصام للشاطبى
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
ایڈیٹر
سليم بن عيد الهلالي
ناشر
دار ابن عفان
ایڈیشن
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
پبلشر کا مقام
السعودية
مَكَانِي فِي ذَلِكَ الثَّغْرِ أَنْفَعُ، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَلِي حَاجَةٌ. قَالَ: سَلْ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: يَأْذَنُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي رُجُوعِي إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْهُ هَذَا الظَّالِمُ. قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ. وَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ، فَلَمْ يَقْبَلْهَا.
فَرَجَعْتُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ، وَأَحْسَبُ أَيْضًا أَنِ الْوَاثِقَ رَجَعَ عَنْهَا.
فَتَأَمَّلُوا هَذِهِ الْحِكَايَةَ، فَفِيهَا عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَانْظُرُوا كَيْفَ مَأْخَذُ الْخُصُومِ فِي إِفْحَامِهِمْ لِخُصُومِهِمْ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ.
وَمَدَارُ الْغَلَطِ فِي هَذَا الْفَصْلِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَعَدَمِ ضَمِّ أَطْرَافِهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ؛ فَإِنَّ مَأْخَذَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الرَّاسِخِينَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ تُؤْخَذَ الشَّرِيعَةُ كَالصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ بِحَسْبِ مَا ثَبَتَ مِنْ كُلِّيَّاتِهَا وَجُزْئِيَّاتِهَا الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا، وَعَامِّهَا الْمُرَتَّبِ عَلَى خَاصِّهَا، وَمُطْلَقِهَا الْمَحْمُولِ عَلَى مُقَيَّدِهَا، وَمُجْمَلِهَا الْمُفَسَّرِ بِبَيِّنِهَا. . . . إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَنَاحِيهَا، فَإِذَا حَصَلَ لِلنَّاظِرِ مِنْ جُمْلَتِهَا حُكْمٌ مِنَ الْأَحْكَامِ؛ فَذَلِكَ الَّذِي نَظُمَتْ بِهِ حِينَ اسْتُنْبِطَتْ.
وَمَا مِثْلُهَا إِلَّا مَثَلُ الْإِنْسَانِ الصَّحِيحِ السَّوِيِّ، فَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ إِنْسَانًا (حَتَّى) يُسْتَنْطَقَ فَلَا يَنْطِقُ؛ لَا بِالْيَدِ وَحْدَهَا، وَلَا بِالرِّجْلِ وَحْدَهَا، وَلَا بِالرَّأْسِ وَحْدَهُ، وَلَا بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ، بَلْ بِجُمْلَتِهِ الَّتِي سُمِّيَ بِهَا إِنْسَانًا.
كَذَلِكَ الشَّرِيعَةُ لَا يُطْلَبُ مِنْهَا الْحُكْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِنْبَاطِ إِلَّا بِجُمْلَتِهَا، لَا مِنْ دَلِيلٍ مِنْهَا أَيِّ دَلِيلٍ كَانَ، وَإِنْ ظَهَرَ لِبَادِي الرَّأْيِ نُطْقُ ذَلِكَ
1 / 311