الاعتصام للشاطبى
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
تحقیق کنندہ
سليم بن عيد الهلالي
ناشر
دار ابن عفان
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
پبلشر کا مقام
السعودية
مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا كَانَ لِطَلَبِ الْإِسْنَادِ مَعْنًى يَتَحَصَّلُ، فَلِذَلِكَ جَعَلُوا الْإِسْنَادَ مِنَ الدِّينِ، وَلَا يَعْنُونَ: " حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ " مُجَرَّدًا، بَلْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ، حَتَّى لَا يُسْنِدَ عَنْ مَجْهُولٍ وَلَا مَجْرُوحٍ وَلَا مِنْهُمْ؛ إِلَّا عَمَّنْ تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِرِوَايَتِهِ؛ لِأَنَّ رُوحَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ قَدْ قَالَهُ النَّبِيُّ ﷺ؛ لِنَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ، وَنُسْنِدَ إِلَيْهِ الْأَحْكَامَ.
وَالْأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ الْإِسْنَادِ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَهَا، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْنَدَ إِلَيْهَا حُكْمٌ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْأَحَادِيثِ الْمَعْرُوفَةِ الْكَذِبِ؟! نَعَمْ؛ الْحَامِلُ عَلَى اعْتِمَادِهَا فِي الْغَالِبِ إِنَّمَا هُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْهَوَى الْمُتَّبَعِ.
وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى فَرْضِ أَنْ لَا يُعَارِضَ الْحَدِيثَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ مُعَارَضٌ؛ فَأَحْرَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ بِهِ؛ فَهُوَ هَدْمٌ لِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، وَالْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِهِ إِذَا كَانَ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْوَهْمِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوِ الْغَلَطِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوِ النِّسْيَانِ، فَمَا الظَّنُّ بِهِ إِذَا لَمْ يَصِحَّ؟
عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَنَّهُ قَالَ: " الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ خَيْرٌ مِنَ الْقِيَاسِ "، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ غَيْرِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ عَلَى الْقِيَاسِ الْمَعْمُولِ (بِهِ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هُوَ إِجْمَاعُ السَّلَفِ ﵃، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ أَعْلَى رُتْبَةٍ مِنَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ.
1 / 288