ذلك كان حكمي على هذا الرجل من ملامحه، وما كذبت الأيام فراستي فيه، وا أسفاه ...!
جلس هذا الرجل على مقعد وبدأ بالتحدث عن باريس، وكان يدعوها بابل العصر، فقال: إنه جاء منها وهو يعرف جميع من فيها، وإنه كان يتردد على مدام «ب»، وهي ملاك كريم، فيقوم بالوعظ والإرشاد في قاعتها الكبرى؛ حيث كان الناس يأتون زرافات ليصغوا إلى أقواله وهم ساجدون - وما كان الذي يقوله هذا الرجل كذبا، ويا للأسف!.
وذهب في حديثه فقال: إن من عرفه إلى هذا البيت الكريم إنما كان أحد زملائه، غير أن هذا الزميل كان قد أغوى فتاة، فطرد من المدرسة لهذا الجرم الشنيع.
ثم انقلب هذا المحدث يكيل الثناء لمدام بيارسون لما تتصف به من حب الخير، وما تأتيه من أعمال البر بالاعتناء بالمرضى والسهر عليهم بنفسها قائلا: إنها لأعمال جليلة لن أغفل عن ذكرها في سان سولبيس.
فكأنه كان يقول: إنه لن يغفل عن ذكر هذه الأعمال عند أقدام عرش الله.
وكنت تعبت من سماع هذا الخطاب فاستلقيت على العشب وبدأت أداعب الجدي الأبيض، فأنزل مركانسون نظره المنطفئ علي قائلا: لقد كان فارينو الشهير يحب أن ينطرح على العشب ويداعب الحيوانات.
فقلت: هذا نوع من الهوس الطاهر يا حضرة القس، ولو أن هوس الناس كله من هذا النوع لكانت الأمور تجري مجراها، ولا تحتاج لتدخل أحد فيها.
وما أعجبه جوابي، فقطب جبينه وغير الحديث قائلا: إنه موفد من قبل كاهن القرية ليحدث مدام بيارسون عن رجل فقير لا يملك ما يقتات به، وبعد أن دل على مسكن الرجل قال إنه يؤمل أن تهتم السيدة الفاضلة بأمره.
وكنت أتوقع أن تتكلم هي ليزيل صوتها أثر صوت الكاهن الأبح من أذني، فما أبدت جوابا، بل انحنت مسلمة، فنهض الكاهن وذهب في سبيله.
وما توارى حتى عاودنا الحبور، فدعتني للذهاب معها إلى حجرة النبات في طرف الحديقة، وكانت هذه السيدة تعتني بأزهارها عنايتها بالأطيار والفلاحين؛ لأنها كانت تود أن ترى كل شيء حولها متمتعا بالصحة، فلا يحرم أحد أو شيء قطرة الماء وشعاع الشمس، فما كانت تشعر بالسعادة إلا إذا بلغت ما يريده الملاك الكامن فيها.
نامعلوم صفحہ