فما هي قوة هذه الكلمة يا ترى؟ إنها ولا ريب تحمل العار، وتنزل العقاب العادل بالمرأة التي استحقتها، ولكنها ليست إلا كلمة! وهل للكلمة أن تقتل جسدا؟
ولكنك قد تكون عاشقا لهذا الجسد، فلا تجد أمامك إلا من يقول لك: اترع الكأس واذهب في سبيلك، فإن للجسد الذي تحترق من أجله ثمنا معينا، ولكن ديجنه يحب خليلته، فهو لا يضن عليها بشيء، فهل لهذا الرجل حب خاص به دون سواه؟ لا، إن هذا الرجل لا يعرف الحب، ولا فرق عنده بين امرأة تستحقه وأخرى لا تستحقه؛ لأنه لا يحب أحدا.
وما الذي أبلغ ديجنه هذه الدركة من الشعور؟ فهل هو خلق بهذه العاهة أم أصيب بها بعد ولادته؟ إن ديجنه ليس رجلا ما دام الحب ألزم للإنسان من الماء والهواء. أهو أحد الجبابرة أم أحد الصعاليك؟ فهو يرتمي على أحضان امرأة تعشقه دون أن يشعر بأية رعشة، ودون أن يتوقع أي خطر؟ وما الحب لديه إلا سلعة جسد ببدرة مال. أية وليمة هي حياته؟ وأي شراب يتدفق في أقداحه؟ إن هذا الرجل لم يتجاوز الثلاثين من عمره وقد أصبح مدمنا على السم، مكتسبا مناعة تهزأ بزعاف الأفاعي التي يداعبها.
إن في الأمر لغزا عميقا يا بني، وعليك أن تجد له حلا. مهما اجتهد أنصار الفحشاء بالتعليل فإنهم قد يثبتون ليوم من الأيام، ولليلة من الليالي، ولساعة من الساعات أنها ناموس طبيعي، ولكن إثباتهم هذا لا يصمد لوجه الزمان؛ لأنه ليس من شعب على الأرض لم يعتبر المرأة رفيقة الرجل وسلواه، أو المنبت المقدس لحياته، وقد استحقت التمجيد في الصفتين.
ومع هذا، فإنك لترى من الناس من ينتصب كالمحارب المدجج بالسلاح ليندفع قافزا فوق الهاوية التي فصل الله بها بين الإنسان والحيوان، ومن يقدم على هذا العمل فإنما هو ينكر النطق على نفسه، فيصبح كالوحش الأعجم خانقا المحبة المفكرة الناطقة بقبلات الجسد وشهواته؛ إذ يضع على فمه ما على أشداق الحيوان من طابع الصمت الأبدي .
إن مثل هذا المسخ يقف أمام أشرف كلمة وجب عليه أن يتعلمها فينفخ عليها عاصفات من دياجي الغابة السوداء؛ حيث يأتمر شياطين الفناء بالحياة.
لقد تجاوز هذا الرجل الحد الذي أوقف الله الإنسان عليه، فهو قد تقهقر عن هذا الحد أو اندفع إلى ما وراءه ... وقد أصبحت أحشاؤه كأحشاء المرأة العاقر أوجدتها الطبيعة ناقصة، أو تسربت إليها قطرات أعشاب سامة تقضي على جرثومة الحياة.
إن العمل والمطالعة قصرا عن شفائك يا بني، وقد أصبح شعارك أن تنسى وتتعلم، وقد كنت تقلب صفحات الكتب الميتة وأنت لما تزل قاصرا عن دراسة الخرائب والأطلال. انظر ما حولك من قطعان البشرية، وإلى عيني أبي الهول تشعان بين ما خطته اليد المستترة. طالع كتاب الحياة، أيها الطالب، وارم بنفسك في تيار الحياة، فما الحياة إلا كنهر الستيكس في الأساطير تولي مياهه المناعة لمن يجرؤ على اقتحامه من الأبطال. أقدم؛ فإما أن يقودك هذا التيار إلى الموت، أو يرفعك إلى الله.
الفصل الرابع
قال القديس أوغسطينوس - وهو الرجل الكامل عند ذكراه أيام شبابه: وما كانت جميع هذه المسرات والملذات الكاذبة إلا بذورا لا تنبت غير المرارة والأوجاع، وقد استنفدت قواي حتى مللتها.
نامعلوم صفحہ