ولقد سمعت رجالا وخط الشيب شعورهم يتكلمون عن نوع من علاقات الرجل بالمرأة يصفونه «بالعاطفة الجوالة»، فكانوا يتحدثون عن هذه العاطفة كأنها آلة حديثة اخترعها مهندس، فيصورون كيفية استعمالها، ويذكرون ما يجب أن يقول العاشق، وما عليه أن يجيب به، مقررين قواعد رسائل الغرام، وكيفية الركوع لاستعطاف المرأة المشتهاة. وهكذا كان هؤلاء الأفاضل ينظمون حركات الهجوم والدفاع.
وما كانت هذه الأصول الموضوعة إلا لتجعلني أقهقه ضحكا؛ لأنني ما تمكنت يوما أن أقول لامرأة أحتقرها: إنني أحبها، حتى ولو كان هذا المتعارف المعمول به مما تعرف المرأة نفسها زيفه. ما جثوت يوما أمام امرأة دون أن يجثو قلبي معي؛ لذلك ما عرفت حياتي هذا النوع من النساء المبتذلات، وإذا ما كنت وقعت لإحداهن فما كان ذلك إلا دون قصد مني، وعن جهل بحال المرأة التي أغوتني.
ليس من المستغرب لدي أن يهمل الإنسان نفسه، ولكن ما أستغربه هو أن يقدم على تدنيسها. ولقد يكون في هذا القول شيء من الكبرياء، ولكنني أربأ بذاتي أن أرفعها فوق موقعها، أو أن أحط بها إلى أدنى من مستواها. وليس أكره إلي من المرأة التي تهزأ بالحب ، ولمثل هذه المرأة أن تبادلني عاطفتي هذه؛ فإنني لن أنازعها هذا الحق.
إن مثيلات هذه المرأة لأحط من العاهرات. وقد تكذب العاهرة كما تكذب المرأة المحتقرة للحب، ولكن الأولى قد تحب، أما الثانية فلا تفقه للحب معنى.
أذكر امرأة تعلقت بي فكانت تقول للرجل الغني الذي تعايشه: لقد مللتك، وها أنا ذي ذاهبة إلى حبيبي.
إن مثل هذه المرأة لخير من النساء اللواتي لا يتقاضين عن أعراضهن ثمنا.
وقضيت فصل الصيف عند ديجنه؛ حيث بلغني أن خليلتي بارحت فرنسا، ومنذ ذلك اليوم الذي بلغني فيه هذا الخبر استولى علي خمول لم أجد لنفضه عني سبيلا.
وكنت في وسط هذا المجتمع الجديد أتطلع كالفرس الجموح إلى كل ما حولي.
وكان لديجنه خليلة على غاية من الجمال، وكنت أتمشى معه في إحدى الليالي فقلت له: إنني أقدر جمال عشيقته، وتعلقها به، وإخلاصها له، وأشعرته أنني أغبطه على هذه النعمة. فسكت على عادته وابتسم، وعندما دخلت إلى غرفتي لأرقد في المساء نفسه، سمعت طرقة على بابي، فأذنت بالدخول ظنا مني أن أحد الصحاب أخذه الأرق فلجأ إلي، وفتح الباب فرأيت امرأة تتقدم مترددة وقد امتقع لونها، وتعرى نصف جسدها، وبيدها طاقة أزهار قدمتها إلي، وبين الأزهار ورقة أخذتها فإذا عليها:
إلى أوكتاف من ديجنه، بشرط المعاملة بالمثل.
نامعلوم صفحہ