اعترافات فتى العصر

فليكس فارس d. 1358 AH
150

اعترافات فتى العصر

اعترافات فتى العصر

اصناف

وهي نفسها لعلها في اليوم الأول تصمم على اللحاق بي، ولكنها لا تلبث حتى تتحول بعد شهر عن طريق المدفن؛ كيلا ترى حتى من بعيد أغصان الصفصاف الباكي المتهدلة على شاهد قبري.

وهل لها أن تفعل غير ذلك وما كان الجمال الرائع إلا ساليا عتيا؟ وكيف تطلب الموت وهذان النهدان ينفران إلى الحياة، كل لفتة ترسلها إلى مرآتها تقنعها بوجوب البقاء؟ وأي رجل لا يتقدم مهنئا لها بشفائها عندما تجف آخر دمعة على أجفانها، وتلتمع أول ابتسامة على ثناياها؟

لن تمضي ثمانية أيام على صمتها حتى تبدأ بالتململ من ذكر اسمي؛ لأنها لا تجيء على ذكري إلا وهي ترسل حولها نظرات من يستنجد الناس لاقتناص السلوان، فلا يطول الزمن حتى تمتنع عن التفكير في، وتجتنب سماع اسمي، وفي صبيحة يوم من أيام الربيع تفتح نافذتها لتنظر الأنداء ترصع الأزهار، وتتنصت إلى زقزفة العصافير بين ناضرات الغصون، فتستغرق في وجومها قائلة: لقد أحببت فيما مضى، وعندئذ من سيكون قربها يا ترى، فيقول: وستحبين أيضا، فتصغي إليه.

أين أكون أنا حينذاك، أيتها الخائنة؟ أين أكون حين تنحنين وقد علا وجهك احمرار برعم الورد يتفتق عن أكمامه؛ إذ يتصاعد كل ما فيك من فتاء وبهاء وينعقد تاجا على مفرقك؟

ستقولين: إن قلبك مغلق، ولكنك تسرحين منه هالة من أنوار جديدة تستهوي كل أشعة منها قبلة غرام، وما من امرأة تعلن إرادتها بأن تحب كالمرأة القائلة إنها لن تحب بعد!

وأية غرابة في هذا؟! أفلست أنت أيضا بنت حواء! أفما تعرفين اعتدال قوامك وروعة نحرك، وقد وصف جمالك من رآه؟ فلا تعتقدين كما تعتقد العذارى أن لكل النساء ما لك تحت أستارك، ولا تجهلين ما للتمنع من قيمة في عواطف الرجال! وهل ترضى المرأة التي غرها الثناء أن تحرم ما يولده الإعجاب بها من غرور؟ وهل تعد نفسها من الأحياء إذا ضرب عليها الحجاب وساد حول جمالها السكوت؟ وما جمالها في عقيدتها سوى ما يلتمع من شهوة في عين عاشقها، وما يتدفق من ثناء على شفتيه.

لا ... لا مجال للشك في أن من أحب مرة يمتنع عليه ألا يحب بعد، فمن ير الموت يفزع منه إلى الحياة.

إن بريجيت تهواني، وقد يقتلها هواها، ولكنها ستندفع إلى صدر غيري إذا أنا انتحرت من أجلها. وانحنيت فوق السرير وأنا أردد كلمة: غيري ... غيري ... حتى لاصق جبيني كتفها العاري.

وقلت في نفسي: أليست هي أرملة؟ أفما مر الموت قربها من قبل؟ أفما اعتنت يداها الصغيرتان بمريض، وكفنتا جثة ميت؟ وما تجهل دموعها الأولى المدة التي جفت بعدها، والدموع الثانية ستجف بأسرع من الأولى.

وقاني الله استهواء الوسواس الخناس! أفما بوسعي أن أقضي عليها وهي مستغرقة في نومها؟

نامعلوم صفحہ