اعتبار
الإعتبار وسلوة العارفين
اصناف
فلما سمع الملك هذه المقالة، ألقى نفسه عن فرسه، وقعد بين يدي الرجل.
وقال: يا هذا لقد كدر مقالك صفوة عيشي، وملك قلبي فأعد علي بعض قولك، واشرح لي دينك؟
فقال له الرجل: أما ترى، هذه عظام ملوك غرتهم الدنيا بزخرفها، واستحوذت عليهم بغرورها، وألهتهم عن التأهب لهذه المصارع، حتى فاجأتهم الآجال، وخذلتهم الآمال، وغصبتهم عز الملك، وسلبتهم بهاء النعم، ثم أودعتهم أطباق الثرى، حتى صاروا إلى ما ترى، وستنشر هذه العظام فتعود أجساما تجازى بأعمالها، فإما إلى دار القرار، وإما إلى محل البوار، ثم أملس الرجل فلم ير له أثر، وتلاحق أصحاب الملك به، وقد تفاقع لونه، وتواصلت عبراته، فركب وحيدا فلما جن عليه الليل، قام إلى ما عليه من لباس الملك فألقاه، ولبس طمرين وخرج، فكان آخر العهد به.
* أبو عبد الله عامر بن عبد قيس: رفض ملكه، وهام على وجهه لله تعالى، لا يعرج على الدنيا، غير مبال بها.
* وكذلك ملكا من بني عامر، بنى مستقرا بالعراق، واجتهد في ترويق بناءه، وغرائب صنعه، وعجائب زخرفه، فلما استحضر من الجودي قوما زهادا.
قال: أترون قصري هذا، هل فيه من عيب؟
فقالوا: إنه ليس من علمنا.
فقال له وزيره: إن هؤلاء قوم ما بنوا لبنة على لبنة. فألح عليهم الملك فدخلوا قصره.
وقالوا: رأينا زخرفا على زخرف، ولبنة على لبنة، وغرورا من غرور الشيطان، القصة بطولها، فرفض الدنيا، وهام سائحا لا يلوي على زخرف الدنيا، وملكها حتى لقي الله تعالى.
* وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: بينما رجل في مملكته تذكر فعلم أن ما فيه منقطع، وأنه قد شغله عن عبادة ربه، فانساب الملك الذي هو في مملكته حتى صار إلى مملكة غيره، فأتى ساحل البحر وظل يضرب اللبن ويعيش به، فانتهى إلى الملك الذي هو في مملكته عبادته وحاله، فأرسل إليه، فأبى أن يأتيه، فلما رأى ذلك ركب إليه، فلما رآه العابد تهارب منه فتبعه على فرسه.
صفحہ 161