ما ظننت أن أحدًا تقدمني إلى مثل هذا المعنى! قال: بلى، أعشى همدان حيث يقول:
رأيتك أمس خير بني لؤيٍّ ... وأنت اليوم خيرٌ منك أمس
وأنت غدًا تزيد الخير ضعفًا ... كذاك تزيد سادة عبد شمس
واستثقل المأمون سهل بن هارون، فدخل عليه يومًا والناس على منازلهم، فتكلم المأمون بكلام ذهب فيه كل مذهب، فلما فرغ أقبل سهل على ذلك الجمع فقال: مالكم تسمعون ولا تعون! وتشاهدون ولا تفهمون، وتفهمون ولا تعجبون، وتعجبون ولا تنصفون! أما والله إنه ليقول ويفعل في اليوم القصير مثل ما قالت وفعلت بنو مروان في الدهر الطويل، عربهم كعجمهم وعجمهم كعبيدهم، ولكن كيف يعرف الدواء من لا يشعر بالداء! فرجع المأمون فيه إلى الرأي الأول.
وهذا كاستثقال الحجاج زياد بن عمرو العتكي، فلما وفد على عبد الملك ابن مروان، والحجاج حاضر، قال: يا أمير المؤمنين، إن الحجاج سيفك الذي لا ينبو، وسهمك الذي لا يطيش، وخادمك الذي لا تأخذه فيك لومة لائم؛ فلم يكن بعد ذلك أحد أخف عليه منه.
1 / 89