فلما أصبح كسرى راعه ذلك وأفزعه وتصبر عليه تشجعا، ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن وزرائه ومرازبته (1)، فجمعهم وأخبرهم بما هاله، فبينا هم كذلك إذ أتاه كتاب بخمود نار فارس، فقال المؤبذان: وأنا رأيت رؤيا، وقص عليه رؤياه في الإبل، فقال: أي شئ يكون هذا يا مؤبذان، قال؟ حدث يكون من ناحية العرب.
فكتب كسرى عند ذلك إلى ملك العرب النعمان بن المنذر:
أما بعد: فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه.
فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني، فلما قدم عليه أخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خال يسكن مشارق الشام، يقال له:
سطيح، قال: فاذهب إليه فسله وائتني بتأويل ما عنده.
فنهض عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت، فسلم فلم يحر جوابا، فأنشأ عبد المسيح أبياتا يذكر فيها ما أراده منه، ففتح سطيح عينيه ثم قال: عبد المسيح على جمل مسيح إلى سطيح وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان: لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا المؤبذان، رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها.
يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت، ثم قضى سطيح مكانه.
صفحہ 57