أذن لرسوله ولم يأذن لكم. وإنما أذن لي ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب. فقال عمرو بن سعيد: أنا أعلم منك يا أبا شريح لا تعيذ عاصيا، ولا فارّا بدم، ولا فارّا بخربة. انتهى فحمله أبو شريح على العموم، وهو وجه الخير، ونهاه عن القتال بمكة خشية أن تستباح حرمتها وحمله عمرو على الخصوص.
وقوله لأبي شريح: لا تعيذ عاصيا، ليس بمطابق للكلام، لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في (غير) الحرم ثم لجأ إليه. هل يجوز قتاله أم لا؟ وأنما أنكر عليه بعثه الخيل إلى مكة واستباحة حرمتها، ونصبه الحرب عليها، فأحسن أبو شريح في استدلاله، وحاد عمرو عن الصواب، وأجابه عن غير سؤاله. قال ابن بطال: وابن الزبير عند علماء السنة أولى بالخلافة من يزيد، ومن عبد الملك لأنه بويع لابن الزبير قبل هؤلاء، وهو صاحب النبي ﷺ وقد قال مالك: وابن الزبير أولى من عبد الملك فإن قيل: لا شك في حل القتال بعده ﷺ إذا وجد ما يوجبه من استيلاء أهل الشرك، أو البغي، أو منع حق؛ فما فائدة التنصيص على التحريم حينئذ، لأن هذا ثابت لجميع الأمكنة. قيل: فائدته توكيد حرمتها، وبيان فضلها على غيرها وشرفها. قال المحب الطبري. وقوله: ولا تحل لأحد من بعدي، معناه تحريم القتال بها.