تولية الحجاج للعراق
ونعود إلى الكلام على ما وقع في زمان عبد الملك بن مروان. روي أنه لما ولي الحجاج الحرمين الشريفين حظي عنده إبراهيم بن محمد بن طلحة فلما أراد الحجاج الرجوع إلى الشام إلى عبد الملك بن مروان، وفد معه إبراهيم بن محمد بن طلحة وقال: أتيتك برجل الحجاز في الشرف والأبوة والفضل والمروءة يا أمير المؤمنين، مع ما هو عليه من حسن الطاعة وجميل المناصحة، والله لم يكن في الحجاز له نظير، فبالله عليك يا أمير المؤمنين، إلا فعلت معه من الخير ما هو مستحقه؟ فقال عبد الملك: من هو يا أبا محمد؟ قال له: إبراهيم بن محمد بن طلحة.
قال: يا أبا محمد لقد ذكرتنا بحق واجب ائذن له في الدخول.
فلما دخل على عبد الملك أمر بجلوسه في صدر المجلس ثم قال: إن أبا محمد الحجاج ذكر لنا ما نعرفه من كمال مروءتك وحسن نصيحتك، فلا تدع في صدرك حاجة إلا أعلمتنا بها حتى نقضيها لك ولا نضيع شكر أبي محمد الحجاج فيك.
قال إبراهيم: إن الحاجة التي نبغي بها وجه الله تعالى والتقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في القيامة نصيحة أمير المؤمنين. قال: قل! قال: لا أقولها وبيني وبينك ثالث.
قال: ولا صديقك الحجاج؟ قال: لا.
قال: قم.
فقام خجلا وهو لا يعرف أين تطأ رجله، فلما مضى قال له: هات نصيحتك.
فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، وليت الحجاج الحرمين الشريفين وفيهما من تعرف من أولاد المهاجرين والأنصار وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما تعلمه من ظلمه وفسقه وجوره وبعده من الحق وقربه إلى الباطل، يسومهم الخسف ويطؤهم بالعسف، فليت شعري أي جواب أعددته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سألك الله في عرصات القيامة عن ذلك؟ فبالله عليك يا أمير المؤمنين، إلا عزلته وادخرتها قربة إلى الله تعالى.
فقال عبد الملك: لقد ظن الحجاج الخير بغير أهله، ثم قال: يا إبراهيم! قم.
فقمت على أنحس حال وخرجت من المجلس، وقد اسودت الدنيا في وجهي فتبعني
صفحہ 47