ولأمورهم واليا، والله سائلك عن أمرنا، وما افترض عليك من حقنا، ولا تزال تقدم علينا من يغرك ويبطش بسلطانك، ويحصدنا حصد السنبل، ويدرسنا درس العصفر، ويسومنا الخسف، ويسلبنا الحيل، هذا ابن أرطاة قدم علينا فقتل رجالي وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإما عزلته. فشكرناك، وإما أقررته فعرفناك.
فقال لها: أبقولك تهدديني؟ هممت أن أحملك على قتب جمل أشرس وأسيرك إليه لينفذ فيك أمره.
فأطرقت وبكت وأنشدت تقول:
صلى الإله على روح تضمنها ... قبر فأصبح فيه الحق مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا ... فصار بالحق والإيمان مقرونا
قال: ومن ذاك؟ قالت: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
قال: ولم؟ قالت: أتيته في رجل ولاه علينا، ولم يكن بيننا وبينه إلا كما بين الغث والسمين، فوجدته قائما يصلي، فلما نظر إلي انفتل من صلاته. ثم قال برأفة ورحمة: ألك حاجة؟ فأخبرته فبكى. ثم قال: اللهم اشهد علي وعليهم أني لم أولهم وآمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك. ثم أخرج من جيبه قطعة من جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم: " قد جاءتكم بينة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ". إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام.
فأخذته منه وأوصلته إليه فامتثل ورجع عما كان فيه.
فقال معاوية: اكتبوا لها برد مالها والعدل في حالها.
فقال: ألي خاصة أم لي ولقومي؟ قال: بل لك.
قالت: إذا الفحشاء واللؤم، هي والله إما عدلا شاملا وإلا فأنا كسائر قومي. قال: اكتبوا لها بحاجتها هي وقومها.
صفحہ 33