ابراہیم ثانی
إبراهيم الثاني
اصناف
قال: «اسمعى. أوسعينى سوء ظن. فإن هذا لا يعنينى، ولست أول مخلوق فعل ذلك. كل الدنيا تعدنى مخلوقا لا خير فيه. لا بأس: زيديهم واحدا. ولكنى لم أصنع هذا الذى ترميننى به. صدقى أو لا تصدقى. سيان. لقد حاولت أن أكون طيبا كما تريدين.. سنة كاملة وأنا أعالج وأجتهد أن أعيش بالفضيلة والخير كما دعوتنى.. طلبا لمرضاتك. لا لأنى شرير، فلست بذاك، وليس من الشر أن أحبك، بل لأنك ترين أن تغيرى ما بى. لا أدرى لماذا. فأنا أروض نفسى على السلوك الذى هو أحب إليك. ثم ماذا كانت النتيجة؟ إنك مازلت على رأى الناس جميعا فى. وأقول لك الحق إنى مللت هذه الفضيلة كما تتصورينها.. الفضيلة التى تأبى أن يكون الإنسان كما خلقه الله. أى عيب فى أن أحبك؟ أى رذيلة فى هذا؟»
وسكت وراح يتمشى ثم التفت إليها وقال: «لقد كففت عن هذه المحاولة وأرحت نفسى من عناء باطل».
فزوت ما بين عينيها، وقالت وهى ترجو أن تتألفه بالكلام اللين: «لقد كنت أرجو أن تنتهى إلى غير هذا».
فقال: «كيف يمكن؟ عام كامل وأنا أحيا حياة الأولياء الصالحين. تصورى هذا فى سنى. ثم ماذا؟ لا أرانى أدنى إليك أو أحب مما كنت.. لا يا ستى. إنى شاب وهذه الخطوات البطيئة لا تطاق.. ولست أستطيع أن أظل هكذا إلى ما لا نهاية».
قالت وهى لا تزال تحاول التسكين: «ومن الذى يستطيع أن يعرف أين أو متى تكون النهاية، أو ماذا قسم الله لنا؟»
قال: «آه هذا كلام خليق بإبراهيم وأظنه مما لقنك.. لا يا ستى مرة أخرى. إنى أعرف ما أريد وأعرف الطريق إليه. الطريق الذى يبلغ لا الذى يقصى».
وقعد على كرسى بعيدا وساد الصمت برهة، وهى تفكر فيما قال، وفى دلالته التى لا تخفى ثم قالت: «ليت هذا العامل يسرع».
فنهض وأشار إليها أن تتبعه ومضى بها إلى حيث السيارة والعامل، فقال لهما إنه اهتدى إلى العلة وهى فى الأسلاك، وسيعالجها بأسرع ما يستطيع. فمضيا عنه وراحا يتمشيان، وقد اطمأنت قليلا وجرى فى بالها أنه يستوى أن تذهب إلى الإسكندرية أو القاهرة، فإنها تستطيع بعد ذلك أن تتخلص من صاحبها. وإنما العقدة فى الطريق والله المسئول أن يلطف بها.
وكانا يسيران فى صمت ثم تلفت صادق فلم ير أحدا فانثنى إلى ميمى يقول فجأة: «هل مللت الانتظار؟ إذن لا انتظار بعد ذلك».
فأحست بمثل لسع النار من أنفاسه على وجهها. وقبل أن تتبين ما هو صانع، كان فمه على فمها. وراح يقبلها كما لم يقبلها أحد فى حياتها، وكانت تنتفض وترتعد، ولكنها عاجزة عن التخلص من عناقه، وكان تطويق ذراعيه لها يؤلمها.
نامعلوم صفحہ