ابراہیم ثانی
إبراهيم الثاني
اصناف
فأرادت أن تبين له أن سؤالها لم يكن مصدره الغيرة، فأبى أن يسمع وقال: «اسمعى. أنت لا تغارين من أحد فيما يتعلق بى، وأنا لا أغار من أحد فيما يتعلق بك. هذه سبيل الراحة والوسيلة إلى صفو الود بيننا».
وكان هذا أول درس تلقته عنه، ولم تفهمه كل الفهم، ولكنها أذعنت. وخطر لها والسيارة تخطف فى طريق الصحراء أن سلوكه مع زوجته لابد أن يكون مختلفا، وأحست وهى تفكر فى هذا أن يد صادق قد صارت على يدها، فالتفتت كالمذعورة وسحبت يدها، فضحك بل قهقه وقال: «ألا ترين أنك تخشيننى؟ والحق معك فإنى وحش.. أحيانا.. ولكن من الخير أن يواجه الإنسان الوحش لا أن يفر منه.. على أنك رضته يا ميمى.. أتذكرين؟ لقد قبلت هذا الوحش مرة، وكانت هذه القبلة أعظم ما فاز به فى حياته ».
وكان يتلفت إليها وهو ويقول ذلك، ولكن نظرته كانت وديعة لينة كأنما يريد أن يطمئنها ويصرف عنها الخوف، فقالت: «لقد ظللت بعدها أتساءل أترانى لم أخطئ حين قبلت الوحش؟»
قال: «إذن كفى عن التساؤل. فقد صارعت هذا الوحش الذى فى نفسى بعدها ولا أقول إنى صرعته، ولكنى أعرف الان أن فى وسعى أن أواجهه، وهذا كله بفضل قبلة واحدة قصيرة».
فتنهدت وشعرت أن هذا الكلام لا يقرر الثقة مع ذلك فى نفسها، ولا ينفى القلق. وألفت نفسها تتلهف على الطمأنينة التى تجدها حين تكون مع إبراهيم، وولكنها ردت نفسها عن الاسترسال فى هذه الخواطر، وقالت: «إذا كانت قبلتى قد صنعت هذا فلست آسفة عليها».
فرمى إليها ابتسامة عوجاء، وقال: «أظنك ستجعليننى رجلا طيبا إن شاء الله».
قالت: «إنما أريد أن تكون كخير ما تستطيع».
قال: «أحسب أنك رسمت لى الصورة التى تريدين أن أكون مثلها».
وضحك ثم قال: «مما يدعو إلى الأسف أن الصورة التى فى رأسك ليست إلا أسطورة.. جميلة بلا شك، ولكنها من نسج خيالك البديع».
وبلغا محطة «شل» فترجلا وذهبا يعدوان إلى المقاعد، ويصفقان للخادم، فمال صادق نحوها، وقال: «ما قولك فى قضاء النهار هنا بدلا من الإسكندرية؟»
نامعلوم صفحہ