ابراہیم کاتب
إبراهيم الكاتب
اصناف
وفرغوا من الطعام فأشعل إبراهيم سيجارة، وكان الدكتور يهم بالقيام عن المائدة، فلما رأى السيجارة عاد فوطن نفسه على البقاء، ولمح إبراهيم ذلك فقال: لا تكلف نفسك هذه العادات الإفرنجية يا دكتور إننا هنا - على رأي شوشو - في الريف وعلى أننا - معاشر المصريين - لا نتحدى هذه العادات حتى في العاصمة، ويمكنك أن تسبقنا إذا شئت فإني باق هنا مع بنت خالتي «وأشار بعينه إلى نجية». اذهبي يا شوشو معه.
2
قالت شوشو للدكتور لما صارا وحدهما في غرفة الجلوس: إن هذا حسن بلا شك؟ - ماذا؟ - أظنه يسرك جدا؟ - ولكن ماذا؟ - ألا تستطيع أن ترى أن ابن خالتي رآك واقفا معي وسمع ما تفضلت علي به. - ولكن كيف يمكن؟ وهبيه رأى وسمع فماذا إذا؟ فيما قلت شيء لاينبغي أن يقال؟ - بلاشك. - يظهر أن قلبي لن يستطيع أن يصلح ما أفسده لساني! فيا له من زمن يتعقب سوء الحظ فيه الرجل من أجل أنه لم يقدر أن يغمط امرأة؟ لأنه أعرب لها عن إعجابه بجمالها؟ أو كان علي أن أكابر وأن أزعم أني أكره دمامتك؟ يجب أن تعترفي أنه ما كان يسعنى أقل مما قلت.
فمضت شوشو إلى النافذة لتخفي أمارات السرور الطبيعي الذي لمع في عينيها ورجفت له شفتاها. وقالت وهي سائرة: أحسب أن من واجبي أن أشكرك يا دكتور؟
فتبعها وهو يعبث بسلسلة ساعته وقال: إن من الثناء ما هو إساءة أدب، وقد يكون هذا من ذنوبي. ولكن من المعاملة ما هو ظلم، وقد تكون معاملتك إياي من هذا القبيل. رجل صريح لم يألف المكاتمة يجهر برأيه فيعد من أجل ذلك سيئ الأدب!
فقالت ووجهها إلى النافذة: لست أسمح للأغراب أن يجترئوا علي حتى بالمديح.
فقال بلهجة الظافر: آه! إنه ليس المدح الذي تستحقين أضعافه هو الذي يغضبك بل صدوره عني! ولو أن غيري - إبراهيم مثلا - كان محلي.
فتهجمت له وقاطعته: إني أمنعك! إنه ابن خالتي، بل أخي وأعز أهلنا علينا، وهو لا يحلم بأن يفعل ما فعلت.
فلم ينهزم أمام هذه التعبيسة وضاعف الحملة: إن من بواعث اغتباطي على كل حال أن أعلم أني صادق في وصفي لك رضيت أم سخطت. وهل كنت ترين أن أراك ثم أذهب وأتحدث عن دمامتك لا لسبب يسوغ هذا الكذب الشنيع سوى أن أعفيك من الارتباك والخجل حين تسمعين أنك جميلة؟
فزادت تعبيسا وقالت بصوت مرتفع قليلا: إن هذا كله تكلف. وأنت تعلم - كما أعلم - أنك لم تقل لي إني.. - لقد قلت إنك جميلة. - كلا! هذا كذب. - وأقول ذلك الآن.. وإنك لكذلك. بل أنت أجمل من رأيت.. ويمينا .... - لا تحلف فلن أصغي إليك. إنك فظيع.
نامعلوم صفحہ