ابراہیم ابو الانبیاء
إبراهيم أبو الأنبياء
اصناف
وإنما الحقيقة قضيتنا نحن، وليست بدعوى خصم يلزمه الدليل ولا يلزمنا؛ فما لم يكن للشك سبب فهو زراية بالعلم، وزراية بالعقل، وزراية بأمانة التفكير.
ومن السخف أن نلزم الأقدمين بالبرهان على سيرة إبراهيم ولا نلزم به أنفسنا، كأنهم أصحاب الشأن كله ونحن ثمة غرباء متفرجون.
فلا موجب للجزم بإنكار وجود إبراهيم ولا للشك في وجوده اعتمادا على كشف جديد من كشوف العلم في القرن العشرين.
أما علاقته بمكة والبيت الحرام، فالأمر فيها أعجب من أمر المختلفين على «شخصيته التاريخية»؛ لأن الذين ينكرون تلك العلاقة لم يدعوا لها سندا من العلم ولا من الكشوف العصرية، بل هم يعتمدون على بعض المصادر الدينية للجزم ببطلان المصادر الأخرى، أو هم يعتمدون على المصادر الإسرائيلية للجزم ببطلان المصادر الإسلامية، ولا شأن للعلم الحديث هنا، بل هو تمييز رواية دينية على رواية دينية تخالفها، ولا محل لإقحام العلم العصري بين الروايتين.
بل هناك محل للتحفظ الشديد في قبول الرواية الإسرائيلية؛ لأنها امتزجت بسياسة الملك والتنازع عليه، وكل دعوى المملكة الإسرائيلية في الزمن القديم قائمة على الأسلوب الذي كتبت به سيرة الخليل في أيامه الأخيرة على التخصيص.
هذه نظرتنا إلى المشكلات التي طرأت على سيرة إبراهيم في القرن العشرين، وهذه نظرتنا إلى المعلومات التي أتى بها من كشوفه وأحافيره وتعليقاته، ومبلغ حقها في تمحيص السيرة أنها تفسر بعض الغوامض، ولكنها لا تنفي «الشخصية التاريخية»، ولا توجب الشك فيها بحجة علمية. وسنرى أن المقابلة بين المعلومات الحديثة وروايات الكتب الدينية وروايات الأقدمين تؤدي لنا عملا غير النفي والإنكار والتردد بين الشك واليقين؛ تؤدي لنا عمل الغربال والمصفاة، ولا تنفي غير الحثالات
6
والقشور؛ ولهذا سنرجع في سيرة الخليل إلى جميع مراجعها.
سنرجع إلى كتب الأديان التي لها علاقة بسيرة الخليل، وإلى كتب التواريخ وروايات الأقدمين، وإلى كتب الباحثين في الحفائر والآثار، ولا سيما الكتب التي تعمد مؤلفوها أن يبحثوا في مواطن السيرة ومظانها من الألف الثالثة قبل الميلاد، بين آثار العراق وفلسطين ومصر والجزيرة العربية وغيرها من مظان السيرة التي تتاخم تلك الأقطار.
والأديان التي نرجع إلى كتبها ومصادرها هي: الإسرائيلية، والمسيحية، والإسلام، والصابئة. هذه الديانة الأخيرة أقل الديانات ذكرا للخليل في كتبها، ولكنها احتفظت ببقايا كثيرة من عقائد البابليين، وأخذت من الديانات الوثنية والكتابية في فارس والعراق وفلسطين وجزيرة العرب، فهي مرجع لا يهمل عند الكلام على دعوة تتصل بجميع هذه الديانات.
نامعلوم صفحہ