يريد الشيخ رحمه الله بذلك أن يقول بأنه ليس في هذه الآيات والأحاديث وأمثالها قرينة تصرفها عن ظواهرها، وترشدنا إلى وجوب تأويلها مجازيا.
وإذن، يكون الواجب أن نؤمن - كما قال في «العقيدة الواسطية» - بما وصف الله به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، مع الإيمان بأنه تعالى ليس كمثله شيء كما جاء في كتابه الكريم. وهذا هو ما ذهب إليه رجال السلف الصالح، وفي ذلك يقول بعضهم: الاستواء معقول (أو معلوم)، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة.
هذا، ونجد شيخ الإسلام سلفيا تماما في الاستدلال على سائر العقائد الأخرى، مثل أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنه تعالى تكلم به حقيقة، وأن المؤمنين يرون الله يوم القيامة، ثم بعد دخول الجنة، عيانا بأبصارهم على الكيفية التي يشاؤها جل شأنه، وكذلك عقيدة الإيمان بفتنة القبر وعذابه ونعيمه، وما يكون بعد البعث من أحوال الدار الأخرى من حساب يتلوه ثواب أو عقاب.
20
وبعد، تلك مثل تطبيقية ترينا أن شيخ الإسلام ابن تيمية سار في علم الكلام على المنهج العام الذي أنار له طريق البحث في كل العلوم التي تناولها بالدراسة والبحث، هو المنهج السلفي لم يحد عنه قيد شعرة.
في الفقه وأصوله
تكلمنا فيما سبق من هذا الباب عن اعتماد شيخ الإسلام في الفقه على الكتاب والسنة أولا، ثم عن اعتباره الإجماع الحق - إجماع الأمة - والقياس الصحيح، من أصول الفقه، على أنه يرجعهما إلى الكتاب والسنة؛ لأنهما الأصلان المقدسان في كل حال.
كما ذكر أنه رحمه الله كان يعمل العقل في مجاله، ولا يرضى التعصب والجمود، بل لا يذهب إلى ما يذهب إليه من الآراء الفقهية أو الكلامية إلا عن دليل، ولا يبالي بعد ذلك أن يخالف غيره من الفقهاء الماضين أو المعاصرين، واستشهدنا لهذا برأيه في الحرية في العقود والشروط، ما دام لا يعارض شيء منها نصا محكما من كتاب الله أو حديثا من أحاديث رسوله الصحيحة.
والآن نأخذ في الإتيان بشيء من آرائه الفقهية يتبين فيها عناصر ذلك المنهج السديد الذي اتبعه، والذي نراه ماثلا في آرائه الفقهية وغيرها. وهذه النماذج - ما عدا واحدا فقط منها - أخذناها من مختصر فتاويه المصرية، تاركين بحث فتاويه الكاملة إلى القسم الثاني من هذا الكتاب. (1)
يذكر في حكم الهدية لمن يتولى عملا من الأعمال العامة، أن من أهدى شيئا لواحد من هؤلاء لينال ما لا يحق له كان ذلك حراما على المهدي والمهدى له، وهي من الرشوة التي قال فيها الرسول
نامعلوم صفحہ