وأخيرا، ينقل أن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: «التفسير على أربعة أوجه، وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.» والله سبحانه وتعالى أعلم.»
وبعد، إن الشيخ الكبير رضوان الله عليه لم يكن بدعا فيما وضعه وطبقه من أصول التفسير، فإن كثيرا غيره من مفسري كتاب الله الذين سبقوه كانوا مثله في تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم يستأنسون بأقوال التابعين يقبلون منها ما صح عندهم ورضوه، وهذا كله ما يعرف بالتفسير بالمأثور.
وكذلك، كما ذكر هو نفسه وكما ذكر الإمام ابن جرير الطبري في مقدمة تفسيره الكبير، كانوا يتحرجون من التفسير بالرأي المجرد، ولا يذهبون إليه.
ولكن ما ينبغي لنا مع هذا أن نظن أن شيخ الإسلام حصر نفسه دائما وفي كل حال في دائرة التفسير بالمأثور لا يعدوها مطلقا، فقد كان رحمه الله عميقا في فهم القرآن وما فيه من أسرار وحكم، وما يؤخذ منه من تشريعات لها عللها التي يستنبطها، وغاياتها التي يعمل عقله في تعرفها، إلى غير ذلك كله من معاني القرآن ومراميه التي سنعرف إن شاء الله جانبا كبيرا منها عند بحث آرائه الفقهية والكلامية والاجتماعية والسياسية.
ومن ثم، يكون لنا أن نقرر أنه كان حقا يمنع تفسير القرآن «بالرأي المجرد» من غير علم، الرأي الذي لا يسنده - من قريب أو بعيد - إشارة من قرآن أو حديث أو قول مأثور، ولكنه أعمل عقله فكان له في فهم كتاب الله آراء قال بها عن علم، وإن لم تكن كلها مأثورة قبله.
ومهما يكن من اعتداد شيخ الإسلام بالعقل في فهم معاني كلام الله، فإنه يحمل حملة شديدة صادقة على تفاسير المعتزلة والشيعة الرافضة والفلاسفة ومن إليهم من أهل الفرق الأخرى المبتدعة، وعلى الطرق التي اتبعوها في التفسير.
فإن من هؤلاء «قوما اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها، ومنهم قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه، والمخاطب به»؛ ومن ثم كان خطؤهم وضلالهم جميعا في كثير مما ذهبوا إليه.
12
ومن باب التطبيق، أشار إلى تفسير الكشاف للزمخشري الذي يمثل رأي المعتزلة، ثم ذكر أمثلة غير قليلة لتفاسير الشيعة الرافضة الباطلة، كقولهم:
تبت يدا أبي لهب
نامعلوم صفحہ