83

ومع ذلك، فهذا ضرب من التأويل لم يغب عن الرسول

صلى الله عليه وسلم ، فإنه نفسه بين، في كل موضع يجب فيه ترك المعنى الظاهري، المعنى الآخر المراد بهذا اللفظ؛ وذلك لأنه «لا يجوز عليه أن يتكلم بالكلام الذي مفهومه ومدلوله باطل ويسكت عن بيان المراد الحق، ولا يجوز أن يريد من الخلق أن يفهموا من كلامه ما لم يبينه لهم ويدلهم عليه» إلى آخر ما قال.

15

وما دام الأمر كذلك، فلا تعارض بين المعقول الصريح والمنقول الصحيح عن الرسول في رأي الشيخ الكبير؛ أي لا تعارض بين ما وصل إليه العقل السليم، وبين ما ثبت نقله عن رسول رب العالمين بطريق صحيح لا ريب فيه.

هكذا يرى بحق، وهو يؤكد في مواضع كثيرة من كتبه أنه قد تحقق ذلك بنفسه؛ إذ تبين له بعد استقصاء وتفكير طويل اتفاق ما جاء به السمع عن الرسول مع ما وصل إليه العقل الصحيح النظر، وهو في هذا يقول: «المنقول الصحيح لا يعارضه معقول صريح قط، وقد تأملت ذلك في عامة ما تنازع الناس فيه فوجدت ما خالف النصوص الصحيحة الصريحة شبهات فاسدة يعلم بالعقل بطلانها بل يعلم بالعقل ثبوت نقيضها الموافق للشرع.

وهذا تأملته في مسائل الأصول الكبار، كمسائل التوحيد والصفات، ومسائل القدر والنبوات والمعاد، وغير ذلك.

ووجدت ما يعلم بصريح العقل لم يخالفه سمع قط، بل السمع الذي يقال إنه يخالفه، إما حديث موضوع، أو دلالة ضعيفة، فلا يصلح أن يكون دليلا لو تجرد عن معارضة العقل الصريح، فكيف إذا خالفه صريح المعقول!»

16

ولنا أن نقرر بعد ما تقدم أن ابن تيمية لم ير أن هناك مشكلة تسمى مشكلة التأويل تتطلب حلا لها، ولم ير أن يقوم منهجه في البحث للوصول إلى الحق على التأويل الذي أمعن فيه غيره من المعتزلة والفلاسفة وغيرهم.

وذلك لأن هذه المشكلة عرضت لهؤلاء من المسلمين لما قام لديهم من وجود تعارض بين ما جاء به الشرع؛ قرآنه وحديثه، وبين ما أدتهم إليه عقولهم، فقام منهجهم على تأويل ما لا يتفق ونظرهم العقلي من النصوص الدينية الوحيية.

نامعلوم صفحہ