ولسنا هنا في مقام قص أخبار أولئك الصليبيين حتى انتهى أمرهم وألقتهم سيوف المجاهدين إلى البحر، فقد حفلت بذلك كتب التاريخ التي هي على حبل الذراع لمن يريد. ولكن نشير إلى أمور تعتبر من صوى ذلك الزمن وأعلامه، ومنها يتبين أي عصر عاش فيه ابن تيمية حين رأى نور الحياة: (أ)
توطدت أقدام الصليبيين بالشام منذ زمن بعيد، واستولوا على أكثر حصونها وقلاعها ومدنها، ثم عكا ويافا وبيروت وصور وعسقلان وغيرها، كما ملكوا بيت المقدس سنة 492، وقتلوا بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا، منهم كثير من أئمة المسلمين وعلمائهم وزهادهم وعبادهم، وذلك فضلا عما سبوه من الحريم والأولاد.
10 (ب)
إلا أن مصر، بأهلها وأولي الأمر فيها، لا تنام على ثأر ولا ترضى بالضيم، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، كما يقول الرسول
صلى الله عليه وسلم .
ولذلك كان من الطبيعي أن تهب مصر لنجدة إخوانهم بالشام، وأن يعمل البلدان الشقيقان على رد عادية الفرنج، بل لطردهم من الأماكن المقدسة. ومن أجل هذا يروي التاريخ أن المعارك والحروب لم تفتر بينهم وبين المعتدين طوال تلك السنين. (ج)
ثم دار الفلك دورات، وتأذن الله بالفرج بعد الشدة، وبالنصر المبين على الصليبيين، فهب جيش مصر، بقيادة السلطان والبطل الخالد صلاح الدين الأيوبي لحرب هؤلاء العتاة الذين عاثوا في الأرض فسادا، وعبثوا بالأماكن المقدسة حتى أحالوا المسجد الأقصى أول القبلتين كنيسة.
وكان أن فتح الله عليه كثيرا من مدن الشام وحصونها، واستنقذها من أيدي غاصبيها الظالمين. ومن هذه المدن والبلاد: عكا، ويافا، وعسقلان وما جاورها، وطبرية، واللاذقية، وبيروت، وصور،
11
ثم بيت المقدس، وغير ذلك كله من البلاد والنواحي الهامة الأخرى.
نامعلوم صفحہ