Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ناشر
دار الفكر العربي
وهو في ذلك لا يني عن البحث والاطلاع، والاستزادة من المعرفة بعقل جبار مدرك، وحافظة واعية، وتفكير مستقل سليم.
٣٤- ودروسه، وإن تعددت نواحيها تجمعها جامعة واحدة، واتجاه واحد، وهو إحياء ما كان عليه الصحابة أهل القرن الأول الذي تلقى الإسلام صافياً لم يرفق بأفكار غريبة، ولم تدرس فيه نحل بائدة أراد أن يحييها أصحابها مستورة بستار المسلمين، فيجمعوا بين أمرين: إحياء تراثهم وإفساد إدراك المسلمين لدينهم.
كان ينهج النهج الذي يعود بالإسلام إلى عهد الصحابة في عقائده، وأصوله وفروعه، وإذا استيقن أن ما يقول هو ما كان عليه الصحابة دافع عنه بالحجة والبرهان، وكل ما بواتيه عقله ودراساته من أدلة عقلية ونقلية، ويقرب ما يقول بعبارات مستقيمة، وتعليلات سليمة، وبواقع الحياة وما يجري بين الناس.
وهو في هذا يلقي بكل أسلحته العلمية، ومن رآه من كبار العلماء يثير إعجابه، لقد رآه المحدث الكبير ابن دقيق العيد، وقد كان حجة العصر في الحديث وعلومه فقال فيه:
((رأيت رجلاً جمع العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد وقال له أول مرة رآه وسمع كلامه: كنت أظن أن الله تعالى ما بقي يخلق مثلك(١).
برزت هذه المعارف، وتلك الخواص، وذلك الامتياز البين، وابن تيمية حول الثلاثين من عمره، وقد صار مقصداً للعلماء، والطلاب، الذين يستمعون إليه ليحكموا عليه فيعجبوا به، والطلبة ليستفيدوا، فيستهديهم بفكره وقلبه وإخلاصه وبلاغ بيانه.
٣٥- وإن ابن تيمية بمحاولته إعادة الإسلام إلى عهده الأول، وإزالة ما علق به من غبار، قد أثار خلاف كثيرين كما استهوى بالإعجاب كثيرين،
(١) النقلان المذكوران عن ابن دقيق العيد من كتاب القول الجلي من ضمن مجموعة تراجم ص ١٠١.
30