118

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ناشر

دار الفكر العربي

ولسنا نجد صعوبة في تعرف أثر ما تلقاه من الفلسفة من كتبه نفسها، فتراه في كتاب عرش الرحمن يتكلم في الأفلاك التي يقولها الفلاسفة مما يدل على معرفته معرفة تامة لعلمهم، فيقول: لقائل أن يقول لم يثبت بدليل يعتمد عليه أن العرش فلك من الأفلاك المستديرة الكلية الشكل لا بدليل شرعي، ولا دليل عقلي، وإنما ذكره طائفة من المتأخرين الذين نظروا في علم الهيئة وغيره من أجزاء الفلسفة: فرأوا أن الأفلاك تسعة وأن التاسع وهو الأطلس محيط بها مستدير كاستدارتها، وهو الذي يحركها الحركة المشرقية، وإن كان لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة؛ ثم سمعوا في أخبار الأنبياء ذكر عرش الله، وذكر كرسيه وذكر السموات السبع، فقالوا بطريق الظن إن العرش هو الفلك التاسع)) (١).

إن هذا دليل قاطع على أنه قرأ كتب الفلسفة وأحاط بها؛ ولقد ثبت قطعاً أنه قرأ رسائل إخوان الصفا؛ ونقدها فهو يقول في الرد على النصيرية ما نصه: ((وحقيقة أمرهم (أي النصيرية) أنهم لا يؤمنون بشيء من الأنبياء والمرسلين، ولا بشيء من كتب الله المنزلة. وهم تارة يبنون قولهم على مذاهب المتفلسفة الطبائعيين لا الإلهيين، كما فعل أصحاب رسائل إخوان الصفا، فإنهم تارة يبنونه على قول المتفلسفة وغرض المجوس الذين يعبدون النور، ويضمون إلى ذلك الكفر والرفض، ويحتجون لذلك من كلام النبوات إما بلفظ يكذبون به ... فيحرفون نقطه ... ليوافق قول المتفلسفة أتباع أرسطو ... وإما بلفظ ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحرفونه عن مواضعه، كما يصنع أصحاب رسائل إخوان الصفاء، ونحوهم من أئمتهم)) (٢).

هذا يدل على أنه قرأها وخصها؛ بل لا شك أنه قرأ الكتب التي تعرضت الصلة بين الشريعة والفلسفة، ككتاب فصل المقال لابن رشد.

(١) رسالة عرش الرحمن ص ١٠٦ من مجموع رسائل ابن تيمية.

(٢) مقدمة رسائل إخوان الصفاء لأحمد زكي باشا رحمه الله.

117