روى أبو القاسم بن محمد الوزير الغساني حكيم السلطان المنصور بالله الحسني، أن يعقوب المنصور سلطان المغرب والأندلس سمع هذه الأبيات فرق للحكيم الظريف، وأرسل المهندسين إلى إشبيلية، وأمرهم أن يرسموا بيت ابن زهر ويبنوا له بيتا مثله في مراكش، ففعلوا كما أمرهم وفرشوا البيت بمثل فرشه وجعل فيها مثل آلاته، ثم أمر بنقل أولاد ابن زهر وحشمه إلى تلك الدار، ثم أخذه معه إليها فدخلها فوجد ولده الذي تشوقه يلعب في فنائها، وخيل إليه أنه في منام.
وهذه فنون من المنادمة والتحبب إلى الأمراء لم يكن ابن رشد يحسن شيئا منها، ولعله كان أعلم أهل زمانه بالفلسفة والفقه وأجهلهم بفنون المنادمة والسياسة، وراض نفسه على التوقر فبالغ في رياضتها، وأنف أن يروى له شعر يتغزل فيه؛ فأحرق ما نظمه في صباه، وقد تقدم في تفضيله لقرطبة على إشبيلية أنه قال لابن زهر: إن المطرب الذي يموت في قرطبة تحمل آلاته إلى إشبيلية لتباع فيها. وهو قول لا يخلو من التعريض والترفع، غير ما نقل عنه كثيرا من سكينته وتورعه عن المزاح.
ومن المهم التنبيه إلى هذه الخصلة فيه وإلى مخالفته بها لنظرائه وأقرانه، فلا شك أن جهله بفنون الندمان وجلساء الأسمار كان له شأن أي شأن في تعجيل نكبته التي لا ترجع كلها إلى أحوال عصره، ولا تخلو من رجعة في بعض أسبابها على الأقل إلى أحواله.
هوامش
الفصل الثاني
ابن رشد في عصره
520-595 هجرية/1126-1198 ميلادية (1) حياة ابن رشد
أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، هو الفيلسوف الوحيد في أسرة من الفقهاء والقضاة، كان أبوه قاضيا، وكان جده قاضي القضاة بالأندلس، وله فتاوى مخطوطة لا تزال محفوظة في مكتبة باريس، تدل على ملكة النظر التي ورثها عنه حفيده، وقد كانت تعهد إليه مع القضاء مهام سياسية بين الأندلس ومراكش، فكان يضطلع بها على الوجه الأمثل، وتوفي سنة 520 للهجرة قبل مولد حفيده بشهر واحد.
وقد وردت ترجمة الحفيد الحكيم في مراجع متفرقة من كتب الأدب والتاريخ، وترجم له ابن أبي أصيبعة في كتابه «طبقات الأطباء»، وهو مطبوع، وترجم له الذهبي والأنصاري وابن الأبار في كتب مخطوطة، نشرت منها مقتبسات كافية بنصها العربي في ذيل كتاب لرينان عن ابن رشد والرشدية
Averroès et L’Averroisme
نامعلوم صفحہ