هنالك ينهض أولئك الذين استمعوا له منذ زمن طويل، ويطوون كشحا عنه ويهجرونه، ويقول الشعب: «به شيطان!»
ويطلع المجمع الكبير بأورشليم على كل ما حدث منذ اليوم الثالث، فيأمر عيونه بأن يكونوا آذانا، ويعرف هيرودس نفسه ذلك، فيرتعش حينما يعلم أن الناصري يعلن أنه المسيح، وحينما يخبره الناس مذعورين بأنه إيليا، فيصرخ قائلا: «هذ هو يوحنا الذي قطعت أنا رأسه. إنه قام من الأموات؛ ولذلك تعمل به القوات.»
ولم يكد الفريسيون يسمعون ذلك حتى أخذوا يلقون شباكهم بين مخيروس وأورشليم، وبين كفر ناحوم وأورشليم، فيهمسون إلى يسوع بقولهم: «اخرج واذهب من ها هنا؛ لأن هيرودس يريد أن يقتلك.»
هذا هو الوقت الذي يدفعه الملك المتجلي فيه إلى البت؛ فهو يسمع الكلام الغادر الذي يهمس به إليه، وهو يرى أعداءه ينظرون إليه بأطراف أعينهم، وهو يشعر بأن تلاميذه لم يدركوا حقيقته، وهو يعرف أن الشعب يعده مجنونا، وهو يعلم أن هيرودس والرومان يترصدونه، وهو يختار لذلك ميدانا للقتال، تلك المدينة المقدسة وغير المقدسة التي ظل بعيدا منها مع إمكان وصوله إليها في ثلاثة أيام، فإما هنالك وإما لا، وإما الآن وإما لا! واليوم تدوي في البلاد إذاعة الفلكيين خبر حلول نيسان (أبريل)، فسيحل عيد الفصح قريبا إذن، وسيصل إلى ذلك البلد ألوف الساخطين منتظرين من يقودهم إذن.
ولا يعلم يسوع ماذا يصنع، ولكنه يبدو مطمئنا؛ لما عرفه من استياء العاصمة وجميع البلاد ومن روح الوقت وحال الجمهور ، وينظر يسوع شزرا إلى أولئك المرائين الذين يتظاهرون بأنهم يريدون نجاته ويقول لهم: «امضوا وقولوا لهذا الثعلب: ها أنا أخرج شياطين، وأشفي اليوم وغدا، وفي اليوم الثالث أكمل، بل ينبغي أن أسير اليوم وغدا وما يليه؛ لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجا عن أورشليم.»
الفصل الرابع
الكفاح
ترن أصوات التجار في الشوارع الضيقة بتلك المدينة الكبيرة، وتردد جدر بيوتها الحجرية صداها، وتصل مواسي الحلاقين، ويخبط السكافون النعال بعضها ببعض، ويقرع باعة العطور أطباقهم النحاسية، وتصرف
1
محاور
نامعلوم صفحہ