110

Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

تلاميذه من بعده مدونة الفقه المالكي الجامعة، ودون أبو يوسف كتباً حاوية بعض فقهه، ودون الإمام محمد مجموعة شاملة للفقه العراقي، ثم دون الشافعي ذلك المبسوط العظيم الذي كان صورة حية ناطقة بما كان عليه الفقه من حياة في ذلك العصر الذي ازدهر، ونضج كل شيء يتصل بالفقه والاستنباط، وسمى ذلك المبسوط بالأم، وسماه بعض المتقدمين المبسوط.

ولقد وجد أحمد تلك الثروة الفقهية العظيمة، فقرأ الكثير منها، وتلقى بعضها تلقياً، فقد تلقى عن الشافعي في رحلته الثانية التي أقام فيها ببغداد، وكان قد دون رسالته، ومبسوطه الذي رواه الزعفراني، وعلم ما جاء به، ومن قبل قد طلع على كتب فقهاء العراق، ويقول الرواة إنه أعرض عنها بعد أن قرأها، وإنهم إن لم يقولوا هذا، فإن مسلكه يخالفها، ولا يتلاقى معها في عامة أحواله، اطلع أحمد على كل الثمرات الفقهية، فتغذى منها عقله وفكره، وسواء أكانت نتائجها في نفسه متلاقية مع أصلها، أم غير متلاقية، فإنها كانت بعض ما قدم له من غذاء عقلي، التقى بغيره من علوم السنة، فتكون ذلك الفقه الذي غلب عليه الأثر، حتى كادت فتاويه تسمى آثاراً ولا تسمى فقهاً.

ولقد كان من أظهر مظاهر نضج الفقه في ذلك العصر الذي عاش فيه الاتجاه في الفقه إلى وضع الكليات، وضبط أساليب الاستنباط، وهو ما سمي من بعد أصول الفقه، وقد تولى عبء ذلك الشافعي رضي الله عنه، فقد ابتدأ يفكر في الفقه تفكيراً كلياً، بعد أن كان مقصوراً على الفتاوى، والحلول الجزئية لها. ووضع في ذلك رسالته التي حد بها وسائل الاستنباط، وضوابطه، وأقام الأدلة على صحة هذه المقاييس الضابطة وقد ذكرنا في دراسة الشافعي رضي الله عنه أنه ابتدأ يصنع ذلك الصنيع عند ما أقام بمكة، بعد أن اطلع على الفقه المالكي المدني والفقه العراقي، وأخذ يوازن بينهما موازنة الخبير الفاهم الذي يرد الفروع إلى أصولها، وكل المسائل إلى عناصرها الأولى المشتركة بينها وبين غيرها، وكان ذلك فيما بعد سنة ١٨٤ إلى عودته إلى بغداد حاملاً ثمرات تفكيره، وقد اتصل أحمد بالشافعي مرتين إحداهما بمكة في هذه الإقامة بها، والثانية ببغداد، عند ما جاء ينشر ثمرات تفكيره بها.

وقد تلقى بهذا الالتقاء المتكرر، والذي دام طويلاً مدة إقامة الشافعي ببغداد أصول

109