محيي الدين بن عربي
محيي الدين بن عربي
اصناف
ثم يقول: وأهل الليل تختلف طبقاتهم في ذلك؛ فالزاهد حاله مع الله في ليله من مقام زهده، والمتوكل حاله مع الله من مقام توكله، وكذلك صاحب كل مقام، ولكل مقام لسان هو الترجمان الإلهي فيهم؛ وهم لهذا متباينون في المراتب بحسب الأحوال والمقامات، وأقطاب أهل الليل هم أصحاب المعاني المجردة عن المواد المحسوسة والخيالية، فهم واقفون مع الحق بالحق، فيعطى كل من المعاني والمعارف والأسرار بحسب منازلهم، فهؤلاء هم حكماء القلوب، وسادة الرجال، أهل الوفاء والصفاء والذكر والسمر، فإذا ادعت لك نفسك أنك من أهل الليل، فانظر، هل لك قدم مع من ذكر؟
أسرار الروح
فإذا طاف بنا محيي الدين على أقسام المتصوفة داخل مملكتها العظمى، أخذ يعرض ألوانا من عجائبها وأسرارها الروحية.
وللروح في عالم التصوف المكان الأعلى والسر الأعظم، ولست أغالي إذا قلت: إن المذاهب الروحية العالمية رغم ما وصلت إليه من كشوف عميقة في هذا الميدان، لا تزال تحبو، ولا تزال فتوحاتها أقزاما بجوار الجبابرة والأئمة من رجال التصوف، الذين راضوا أرواحهم على نور من هداهم، فتحكموا لا في ذواتهم عند اليقظة والسجود، بل في منامهم وعند الهجود، حتى ليوجهون - كما يقول محيي الدين - خواطرهم في المنام ما أرادوا وأحبوا، ولمسوا أسرارها، وتنقلوا في آفاقها، سخرت لهم قوى الأرواح وما أدراك ما قواها؟ وما أدراك ما تجلى لهم؟
تقول دائرة المعارف لوجدي بك: «إن كل من اطلع على كتب محيي الدين، وكان واقفا على مرامي الفلسفة الروحانية العصرية، تحقق أنه سبق كل متكلم في هذه المعارف العالية؛ فلا مقال الآن مهما علا وغلا إلا ما هو مقتبس من كلامه، أو صدر ممن هو منته إلى ما انتهى إليه.»
الإذاعات الروحية
ولنمسك مرة أخرى بمصباح محيي الدين، ولنتقدم على نوره خطوات لنشاهد تلك المحطات الروحية التي تذيع الأنباء الصوفية على رجال المملكة.
ولرجال التصوف إذاعاتهم الخاصة التي تربط أجزاء مملكتهم بعضها ببعض، والتي تنقل أخبارهم إلى مشارق الأرض ومغاربها.
ولا تعجب ولا يضرب الإنكار على بصيرتك غشاوة فتسخر! فلقد كشف الله - سبحانه - الغطاء عن عيني عمر بن الخطاب - رضوان الله عليه - وهو على منبر المدينة يخطب أصحابه، فرأى سارية وجيش سارية وهو بنهاوند بأرض العراق، يقاتل خصوم الرحمن، وقد أحيط به ولا نجاة له إلا بأن يعتصم بجبل بجواره، فهتف عمر: «يا سارية، الجبل.» فسمع سارية الصوت في لمحة، على بعد المسافة التي يقطعها الراحل المجد في عشرات الأيام، وعرف أنه صوت عمر؛ فالتجأ إلى الجبل فنجا وانتصر! كيف أبصر عمر؟ وكيف سمع سارية؟ ذلك سر الروح، وذلك سر الإيمان، وذلك فضل الله، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
يقول محيي الدين: «ومن علوم الكشف أن أي واحد أو جماعة قلت أو كثرت، لا بد أن يكون معهم من رجال الغيب واحد عندما يتحدثون؛ فذلك الواحد ينقل أخبارهم إلى العالم.
نامعلوم صفحہ