محيي الدين بن عربي
محيي الدين بن عربي
اصناف
وأقام جينو في القاهرة يؤلف الكتب، ويكتب المقالات، ويرسل الخطابات إلى جميع أنحاء العالم، كان حركة دائبة، حركة فكرية وروحانية، ترسل بسنائها إلى كل من يطلب الهداية والرشاد.
وفي المغرب العربي، وفي دمشق، كان الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري من العاملين في حقل الروحانية الأكبرية، وكذلك كان ولا يزال الأمير المقاتل عبد الكريم الخطابي، وشقيقه البطل الأمير محمد الخطابي، ولقد حدثنا الأمير أنه كان يقرأ الفتوحات المكية وهو في ساحات القتال.
وهنا وهناك، وفي كل مكان يرتفع فيه صوت التكبير بالتوحيد، أو دوي الطبول للجهاد، ترى العلماء من رجال الفكر، والمقاتلين من أولي البأس، تلاميذ أوفياء للمدرسة الأكبرية ولشيخها الأكبر.
الشيخ الأكبر
التصوف هو قلب الإسلام الخافق بالشوق والمحبة، وهو أيضا فلسفة الإيمان، التي ظفرت بالعلوم الكونية، وآمنت في الإلهيات لاعتمادها على الدين والوحي.
وبالتالي فالمتصوف الإسلامي، هو صاحب العلم المحيط الشامل لجميع الحقائق، هو الفيلسوف العالمي، الذي جمع المعارف كافة، وتميز بإيمان، يمشي في مواكب الأنبياء، وهدى الرسل، ورضاء الله ومحبته.
وإذا قلنا: التصوف هو الفلسفة الكاملة، فإننا نقصد إلى هذه الكلمة قصدا، ونتجه إليها عن عمد، ونحن نعلم أن السفهاء من الناس سيقولون كما قال بعض أربابهم من رجال الاستشراق: إن قيود الإسلام قد حجرت على العقول في المجتمعات الإسلامية؛ فباعدت بينها وبين الفكر والفلسفة. وسيقولون أيضا، كما قال بعض أربابهم من متعصبي أوروبا: إن الأمة الإسلامية عامة، والعربية خاصة لم تعرف التفكير الفلسفي والنهج العلمي، ولن تعرفهما؛ لقصورها الذاتي، وحياتها الفاترة الجامدة على شواطئ الأوهام والخيالات.
لقد جالت العقول الإسلامية في المعارف الكونية، جولاتها الموفقة الفاتحة، وتناولت فيما تناولت المسائل الفلسفية الكبرى على ضوء إيمانها وكتابها الرباني، كما جال المتصوفة بصفة خاصة في آفاقها وسمواتها ومعارجها.
وإنما الفرق بينهم وبين فلاسفة اليونان أنهم لم ينظروا في المسائل الفلسفية لذاتها، كموضوعات علم مستقل مرتبط الأجزاء، بل اعتبروها مسائل دينية منطوية تحت أجنحة رسالتهم الكبرى؛ فعالجوها على هذا الضوء، وتناولوها على هذا الهدى.
وإذن؛ فالفلسفة عندهم لم تجرد من الدين ولم تفصل عنه، ولم ترتب مسائلها في علوم مستقلة قائمة بذاتها، خارجة عن دائرة الوحي والإيمان؛ ولهذا لم يؤلف المتصوفة الإسلاميون كتبا في المنطق والجدل لبيان أصولهما وطرقهما، ولم يتركوا دراسات في المناهج العلمية التي تصعد بالاستقراء من الجزئي إلى الكلي، وتنزل بالقياس من الكلي إلى الجزئي؛ ولكنهم مع ذلك جادلوا وتحاكموا إلى المنطق، وأوضحوا الطرق، ومهدوا السبل، وقاسوا جريا مع فطرة العقل، دون تقيد بحرفية القواعد، ما دامت روح تلك القواعد قد سلمت وعاشت، وترعرعت تحت ظلالهم.
نامعلوم صفحہ