وكان يتفرع من الفرات أربع ترع كبيرة تروي سائر البلاد حتى قال (أمبانوس مرسليانوس) الذي طاف فيها في القرن الخامس : إنها روضة غناء من طرف إلى طرف. ثم دوخ العرب تلك البلاد في القرن السابع فوجدوها لا تزال في أوج مجدها ، ومصروا فيها الكوفة والبصرة وواسط بدل عواصمها القديمة ، وبنوا بغداد (1) فصارت دار الخلافة ، ولا تزال إلى يومنا هذا أكبر مدن العراق. وفاقت بغداد عواصم الدنيا في زمن الرشيد (2) والمأمون (3). ثم انحط العراق رويدا رويدا ، وأجهز عليه المغول في زمن (جنكيز خان)، والتتار في زمن (تيمور لنك)، في القرن الثالث عشر ؛ فخربت كل أعمال الري العظيمة حتى لم يبق منها واحد ، فزال سد نمرود من دجلة ، فهبط ماؤه 25 قدما ، وبطل جريان الماء في ترعتي النهروان ودجيل (4)، وأمست ضفاف دجلة العالية قفارا قاحلة ، سوى التي تزرع على ماء المطر (ديم)، وخربت ضفته اليسرى فما يلي تخوم العجم ، ولم تعد مياهه تنصب في البطائح والمستنقعات ، ولولا الاعتماد على زرع الأرز الذي تصلح له الأرض العامرة لما بقي في البلاد زرع يذكر. ومساحة`أراضي العراق 12 ميلون فدان. وإذا جادت السماء بمطرها زرعت السهول على الجانبين شعيرا ؛ لأنها سهول فيحاء لا تحتاج لنمو الزرع فيه إلا إلى الماء. وزد على ذلك فإن النخل ينمو في كل
صفحہ 17