حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
اصناف
ويقسم «ابن صعب» لسائله بأنه يقول الحق: «ورب السماء والأرض، وما بينهما من رفع وخفض، أن ما أنبأتك به لحق، ما فيه أمض.» أما الكاهن الخزاعي الذي احتكم إليه هاشم وأمية في نزاعهما، فأصدر قراره سجعا يقول: «والقمر الباهر، والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، من منجد وغائر، قد سبق هاشم أمية إلى المفاخر.»
أما «قس بن ساعدة الأيادي» فيرسل سجعه مصورا معارف العصر الكونية في نثره قائلا: «ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا.»
والشعر الجاهلي وثيقة هامة في يد الباحث العلمي، تأخذ سمت العلم التاريخي، رغم ما أثير حول الشعر الجاهلي من تشكيك في صحة انتسابه لعصره فعلا، وكان أبرز ما قيل بشأنه قضية النحل التي أثارها «الدكتور طه حسين» في كتابه الشعر الجاهلي، والمحاكمة المشهورة التي جرت آنذاك بشأن ذلك الكتاب وصاحبه.
لكن ما يدعو إلى الاطمئنان في الغالبية مما وصلنا من ذلك الشعر، مدونا بأقلام المسلمين، هو أن القافية والوزن كانا يضمنان منع حدوث تغيير كبير على ذلك الشعر، كما أن المحتوى البسيط لذلك الشعر، وما جاء من أخبار التخاصم على الإبل والمراعي يضمن عدم التصنع. وعلى رأي د. حسين مروة أننا لو حكمنا على شعر الأخطل وجرير ... بشكله، لتعذر علينا نسبته إلى ما بعد الإسلام.
وكان «ابن سلام» أول من بحث قضية الانتحال، وعزا أسبابها إلى العصبية القبلية، والرواة الوضاعين، مثل حماد الراوية، وخلف الأحمر. وسبق الجميع إلى مسألة الانتحال «المفضل الضبي» الذي نقد خلفا الأحمر، أما «طه حسين» فقد ردد ما سبقه إليه المستشرق «مرجليوث» بشكل مختلف بعض الشيء. وإن كان أهم حيثيات محاكمته هي إنكاره هبوط إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام جزيرة العرب.
وقد قامت جمهرة السلفيين تؤكد قبولها صحة نسب الشعر الجاهلي دون تحفظ أو تشكك. وقد ظهر ذلك واضحا في المؤلفات التي وضعت للرد على «طه حسين»، ونموذجا لذلك ما جاء في كتاب «نقض كتاب في الشعر الجاهلي» لمحمد أحمد الغمراوى، و«مصادر الشعر الجاهلي» لناصر الدين الأسد، وغيرهم. ونسبة الشعر الجاهلي لعصره، قد اتفق أمرها بين المسلمين السلفيين، وبين كثير من المستشرقين، وهو ما يمثله نموذجا قول المستشرق «ليال»: «والواقع أن هذا الشعر الجاهلي، قد أفاد المؤرخ الباحث في تاريخ الجاهلية، فائدة لا تقدر بثمن، وربما زادت فائدة هذا الشعر من الوجهة التاريخية، على فائدته من الوجهة الأدبية لأنه حوى أمورا مهمة عن أحداث العرب الجاهليين، لم يكن في وسعنا الحصول عليها لولا هذا الشعر.»
والخطابة كانت من أبرز الأنشطة الفكرية والثقافية للعرب، وكانوا يلجئون فيها إلى كل الوسائل الإبداعية والجمالية والبلاغية لإقناع المستمع بوجاهة محتوى الخطبة. وعند التعامل مع ملوك الدول كان العرب يختارون أكثرهم تفوها، وقد ذكر «ابن عبد ربه» في عقده الفريد، أن كسرى تنقص من أمر العرب في حضور «النعمان بن المنذر» لديه، مما استفز «النعمان» لعروبته فأرسل في طلب خطباء العرب وأوفدهم إلى كسرى ليعرف مآثر العرب وقدرهم الثقافي.
وكان الخطباء يخطبون في وفادتهم على الأمراء، فيقف رئيس الوفد بين يدي صاحب السلطان ليتحدث بلسان قومه، ومن هذه الخطب ما قيل بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم
عام الوفود وأوردته كتب السير والأخبار. ومن أشهر الخطباء، أولئك الذين وردت أسماؤهم في الرد على كسرى، وهم «أكثم بن صيفي»، و«حاجب بن زرارة التميمي»، و«الحارث بن عباد»، و«قيس بن مسعود»، و«عمرو بن الشريد السلمي»، و«عمرو بن معد يكرب الزبيدي». ومن خطباء مكة «عتبة بن ربيعة» و«سهيل بن عمرو»، ومن الخطباء أيضا «هرم بن قطبة»، و«عامر بن الظرب العدواني»، وهي نماذج تشير إلى خطباء كثر لقبائل العرب، أوردتها كتب الأخبار والسير تفصيلا وحصرا.
نامعلوم صفحہ