انسانی آزادی اور علم: ایک فلسفیانہ مسئلہ
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
اصناف
ولأن الفلسفة مهمتها النقد والاختبار، فيمكنها وضع الإصبع على زيف اليقين داخل حدود العصر الحتمي ذاته الذي استمر حتى مطالع القرن العشرين، أولم تكن قمته وإكليله نظرية نيوتن، النموذج الأمثل على يقين العلم الحتمي، وهي من الناحية المنطقية ليست يقينية، بل فقط صادقة؛ لأنها تعطينا أفضل تفسير للظواهر الفيزيائية، ولكن ليس ثمة برهان على أنه لا يوجد فرض آخر يعطينا تفسيرا أفضل وأدق، وهذا الاحتمال تحقق مع نظرية النسبية، ومن الناحية الأخرى يوجد دائما الاحتمال لأن نجد ظواهر لا تتسق معها، وقد وجدناها بالفعل في عالم الذرة. المنهج العلمي لا يمكن أبدا أن يستبعد مقدما أية واقعة مهما كانت غير مألوفة لنا، ولا أن يمنعنا من اكتشاف وقائع جديدة، حتى ولو ناقضت أرسخ نظرياتنا القديمة.
والخلاصة أن الواقع التجريبي يستحيل أن يكون موضوعا لأي يقين، والمعرفة اللاإلهية خاضعة دوما للايقينيات المستقبل، فقد تظهر كيانات وعلاقات جديدة، وافتراض اليقين - أي الإمساك بالحقيقة المطلقة يوصد الباب أمام تقدم العلم، وهو لن يوصد أبدا، ويضع صك الختام على حدوده الراهنة، وهو لن يوضع أبدا، وليس يحط من شأن نظرية نيوتن العظيمة أنها ليست يقينية؛ لأن اليقين ليس ذا دور في ميدان العلم، بل إن أخذه مأخذا جادا هو الخطر الوبيل على تقدم العلم ذاته، إن الواقع والمثال يفرضان اعتبار اليقين المعرفي محض وثن زائف، يتعلق به ذهن الإنسان؛ لأنه يعطيه راحة زائفة، وإنها راحة حرام ... حرام ... حرام على أهل العلم.
ومع هذا تشبث العلماء طوال العصور الحديثة بوهم اليقين العلمي، عين تشبثهم الأهوج بالمبدأ الحتمي؛ نظرا للعوامل الحضارية التي صاحبت مطالع العصور الحديثة ونشأة العلم الحديث ... العوامل التي تتلخص - كما ذكرنا - في الصراع الذي كان بين العلم والكنيسة.
والحقيقة المسلم بها الآن بعد انقضاء ذلك العصر بحيثياته، أن العلم يختلف عن الدين اختلافا جذريا في أنه لا يتعامل مع أية يقينيات مطلقة؛ لذلك التزم كل منهما مكانه في البنية الحضارية، ولم يعد من المراد ولا من المجدي ولا من المعقول أن يتطاول العلم على الدين، ونخلص من هذا إلى أن الحتمية العلمية مجرد افتراض عشوائي دفعت إليه متغيرات وظروف حضارية معينة، مقصورة فقط على مرحلة العلم الحديث.
وأبسط ما يقال في هذا الصدد إن الحتمية مبدأ يستحيل إثباته ببرهان، فهو ليس قضية رياضية أو منطقية نثبتها ببرهان عقلي صرف، فله مضمون إخباري، أي يخبرنا بشيء عن هذا العالم، وبالتالي يكون إثباته تجريبيا، أي بالالتجاء إلى التجربة لنرى هل تثبته أم تنقضه، ومن الواضح أن التفكير في البرهنة التجريبية على مبدأ الحتمية - بكل عموميته الهائلة - عبث، فكيف يمكن استشهاد الوقائع على أنها جميعا مترابطة في تسلسل علي، يجعلها ناجمة حتما عن الواقعة الأولى أو حالة الكون في اللحظة الأولى؟! إن هذا يقتضي فحص كل الوقائع ومنذ بدء الخليقة وحتى قيام القيامة! وإذا افترضنا جدلا أننا فعلنا هذا المستحيل، فمن أدرانا أنها جميعا كانت محتومة؟! كل ما سنعلمه أنها هي التي حدثت ولن نلقى أية بينة على أنه كان مستحيلا أن يحدث سواها.
فهل يمكن التذرع بالسمة العلمية للحتمية؟ كلا! فكما أوضح جون كيمني في كتابه «الفيلسوف والعلم» (عن الترجمة العربية ص271 وما بعدها) الحتمية هنا ستستند إلى أن وقائع الكون يوجهها القانون الذي يتوصل إليه العلم، وهذا يعني أن القوانين العلمية تحدد الحوادث، بل تحتم وقوعها، وكأنها تملك قوة ملزمة تجعلها لا بد وأن تطاع حين تأمر! المسألة إذن تشخيص للقانون العلمي وتمثيله بإله أو إنسان ذي قوة وسلطان! وهذا طبعا نزوع ساذج بدائي ومتخلف، مرفوض في أي تفكير عقلاني، فما بالنا بالتفكير العلمي؟! إن القانون العلمي - بداهة - لا يلزم الطبيعة بشيء؛ لأنه يعنى بما يحدث فعلا، لا بما يجب أن يحدث، ولما كانت القوانين العلمية تقتصر على وصف الوقائع فقط، فإن الكون بالتالي يغدو محددا، وينطبق هذا - كما يقول كيمني - على جميع الأكوان التي قد تخطر لنا، سواء افترضنا أنها حتمية أو لا حتمية.
ولم يكن منتظر أن يجدي التذرع بالسمة العلمية؛ لأن الحتمية - كما يمكن أن نستنبط من التحليلات التاريخية السابقة - محض صورة متعلمنة لحلم ميتافيزيقي قديم، يتوق لإضفاء رونق الواحدية على هذا الكون المتكثر الفوضوي، لننظر إليه ككل، فلا فردية ولا انعزال فيه، ومن ثم لا تكثر ولا تعدد، أينع حلم الواحدية لأنها تعني اتحاد وتناغم الغايات الإنسانية، وتجعلها مرتبطة معا أو على الأقل غير متعارضة، وكما يوضح إزايا برلين، هذا يفضي إلى نتيجة مؤداها أن إدراك النموذج الذي تشكله هذه الأشياء يجب أن يكون الغاية الحقيقية الوحيدة لكل الأنشطة العقلية، وعلى رأسها بالطبع العلم الساعي إلى الأنموذج الميكانيكي، وفي مقابل واحدية الحتمية، نجد أن التعددية - أي النظر إلى الكون على أنه مكون من وقائع عديدة - هي ما تفرضه النظرة العلمية الخالصة.
أما عن الوجه الآخر للحتمية العلمية - أي العلية، فإنها مثلها بلا بينة ولا برهان، وهي من أضخم الأوثان في تاريخ الفلسفة، لكن أوهاها، ومنذ قرون عديدة كان الإمام الغزالي (450-505ه/1118-1162م) وبعده الفيلسوف ديفيد هيوم (1711-1776) قد أثار تساؤلا لم تلق إجابة عليه، وهو: من أين أتينا بالعلية؟ إن كل ما نراه تعاقبا بين أحداث، بين النار والاحتراق ... بين الأكل والشبع ... إلخ، ولسنا نرى كيانا ثالثا اسمه العلية - يحتم الثاني عن الأول، على هذا انتهى هيوم إلى رد العلية لمجرد نزوع سيكولوجي، عادة تجعل الإنسان يفترضها بين كل حدثين لاحظ اقترانهما.
ورب قائل: لماذا يقترنان دائما؟ لا إجابة إلا بأن العلية تربط بينهما؟ ولماذا نفترض أن العلية تربط بينهما؟ لأنهما يقترنان دائما؟ ... هذا الدوران المنطقي - أي إثبات الواحدة من القضيتين بالأخرى، فتظل كل منهما تنقلك إلى الأخرى في دائرة مغلقة - هذا الدوران القائم بين عنصرين من عناصر الحتمية العلمية هما العلية والاطراد «الاطراد = الطبيعة مطردة تسير على وتيرة واحدة ما يقترن اليوم لا بد وأن يقترن غدا وبعد غد وإلى الأبد»، يفصح عن الخلل في المبدأ الحتمي، وهو من أشهر الدورانات المنطقية في الفكر الفلسفي.
أما بالنسبة للعلم البحت، فقد انتهت التحليلات المعاصرة إلى أن العلية لم يكن لها أي دور في العلم، وأمامنا مثلا عالم الفيزياء الكبير وفيلسوف العلم هنري مارجينو، يحمل كتابه العميق «طبيعة الواقع الفيزيائي» (
نامعلوم صفحہ