أن ترى مقلتاي طلعة حر
وقد دارت هذه الكلمة - كلمة الحرية - على أفواه الخطباء، ولهجت بها أقلام الكاتبين ينشدون ضالتها عند أبواب الحكومات، ويقفون للبحث عن مكانها وتمكين الراحة من مصافحتها وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه.
ينصرف هذا اللقب الشريف في مجاري خطابنا اليوم إلى معنى يقارب معنى استقلال الإرادة، ويشابه معنى العتق الذي هو فك الرقبة من الاسترقاق، وهو أن تعيش الأمة عيشة راضية تحت ظل ثابت من الأمن على قرار مكين من الاطمئنان، ومن لوازم ذلك أن يعين لكل واحد من أفرادها حد لا يتجاوزه، وتقرر له حقوق لا تعوقه عن استيفائها يد غالبة؛ فإن في تعدي الإنسان الحد الذي قضت عليه أصول الاجتماع بالوقوف عنده ضربا من الإفراط، ويقابله في الطرف الآخر حرمانه من التمتع بحقوقه ليستأثر غيره بمنفعتها، وكلا الطرفين شعبة من شعب الرذائل، والحرية وسط بينهما على ما هي العادة في سائر الفضائل، ومن كشف عن حقيقتها المفصلة ستار الإجمال، أشرف على أربع خصال مندمجة في ضمنها:
أحدها:
معرفة الإنسان ما له وما عليه؛ فإن الشخص الذي يجهل حقوق الهيئة الاجتماعية ونواميسها لا يبرح في مضيق الحجر مقيد السواعد عن التصرف حسب إرادته واختياره، حتى يستضيء بها خبرة، ويقتلها علما، إذ لا يأمن أن تطيش أفعاله عن رسوم الحكمة والسداد، فيقع في خطيئة تحدث في نظام تلك الهيئة علة وفسادا، ولا يخالط الضمائر من هذا أن الحرية مقصورة على علماء الأمة العارفين بواجباتها؛ إذ للأميين منها مخلص فسيح، وهو باب الاستفتاء والاسترشاد، قال تعالى:
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
ثانيها:
شرف نفس يزكي طويتها، ويطهر نواياها من قصد الاعتداء على ما ليس بحق لها، فلا ترمي بهمتها إلا في موضع تشير إليه العفة ببنانها.
ثالثها:
إذعان يدخل به تحت نظر القوانين المقامة على قواعد الإنصاف، ويستنزله ريثما تحرر ذمته من المطالب التي توجه إليها باستحقاق.
نامعلوم صفحہ