من السهل العثور على نصوص القصائد الهوميرية؛ فهي تطبع باستمرار منذ أول إصدار مطبوع لها في فلورنسا في عام 1488، بعد أعوام فقط من اختراع الطباعة بواسطة الحرف الطباعي القابل للحركة. ولأن النص شيء مادي، فإن له شكلا معينا: ليس فقط نسيج ولون الورق أو الجلد، وإنما الاصطلاحات التي تشكل بها الرموز. كانت الإصدارات المطبوعة الأولى معدة بخطوط تحاكي شكل الكتابة اليدوية في المخطوطات البيزنطية من العصور الوسطى، وهو نظام لضبط التهجئة (أي: «طريقة للكتابة») تغير كثيرا منذ الأزمنة القديمة، يشتمل على الكثير من الاختزالات والأحرف المزدوجة التي يدمج فيها أكثر من حرف في رمز واحد. بالتأكيد لم يكن أفلاطون يستطيع قراءة النص المطبوع الأول لأعمال هوميروس، ولا يستطيع الباحث المعاصر ذلك دون تدريب خاص، وحتى الأستاذ الجامعي الذي أمضى حياته بكاملها في تدريس ودراسة اللغة اليونانية القديمة.
في القرن التاسع عشر، حلت خطوط الطباعة واصطلاحات ضبط التهجئة الحديثة محل الاصطلاحات المطبعية المعتمدة على المخطوطات المكتوبة باليد في بيزنطة قبل اختراع الطباعة، ولكن لم تسع مثل هذه الاصطلاحات الحديثة إلى إعادة صياغة الشكل الكائن، أو الطابع المادي، لنص قديم لهوميروس. على سبيل المثال، تحاكي أشكال الحروف الأبجدية اليونانية في طبعة تي دبليو ألين من ملحمتي هوميروس ضمن سلسلة «أكسفورد كلاسيكال تيكست»، التي نشرت لأول مرة عام 1902، الكتابة اليونانية الرائعة والعصرية تماما بخط اليد لريتشارد بورسون (1759-1808)، الأستاذ بجامعة كامبريدج ذي الشأن في النقد النصي في أوائل العصر الحديث. تبدو هذه اللغة اليونانية سليمة لأي شخص يدرس اليونانية، لنقل، بجامعة أكسفورد أو بجامعة ويسكونسن في الوقت الحاضر؛ كونها مستوفية للرسم الصغير والكبير للأحرف الأبجدية، والنبرات (علامات النطق)، وعلامات النفس (أي، نطق الكلمة بصوت الهاء أو من دونه)، وعلامة الفصل ( ̈) ذات النقطتين الأفقيتين (التي تفصل نطق حرفي علة (متحركين) متجاورين)، وعلامات الترقيم، وتقسيم الكلمة إلى مقاطع، وتقسيم الفقرات. وفيما يلي الشكل الذي يظهر عليه نص السبعة أبيات الأولى من «الإلياذة» بكتابة عصرية مطبوعة (من مكتبة لوب الكلاسيكية، انظر أيضا شكل
1-1 ):
إذا كنت تدرس اللغة اليونانية في وقتنا هذا، وتدرس أحد المقررات الدراسية عن أعمال هوميروس، فستتوقع أنك تستطيع ترجمة صيغة كهذه. وتخال أنك تقرأ «قصائد هوميروس» كما كتبت بها في الأصل، ولكن في حقيقة الأمر أن قواعد الكتابة (ضبط التهجئة)، أو الطريقة المكتوب بها الأشياء، هي مزيج لم يكن له وجود مطلقا قبل القرن التاسع عشر الميلادي؛ إذ إن ثمة نسقا متكاملا لنبر الحروف، أحيانا فقط يكون دلاليا (أي «يحمل مغزى»)، لا يظهر حتى حوالي عام 1000 ميلاديا في الكتابة اليونانية ولا يستخدم قط باستمرار. والتمييز بين الحروف ذات الرسم الصغير وذات الرسم الكبير هو شيء يعود إلى العصور الوسطى. يرسم حرف سيجما الذي يستخدمه بورسون عندما يكون في وسط الكلمة هكذا
σ ، ولكن في الحقبة الكلاسيكية كان في صورة خط متعرج رأسي
Σ (ومن هنا ظهر حرف ”
S “ الذي نعرفه) وبعد الحقبة الإسكندرية، كان دائما ما يتخذ شكلا هلاليا
C (أو ما يطلق عليه حرف «سيجما الهلالي»)؛ ويبدو أن الشكل
σ
هو من ابتكار بورسون. وعلامة الفصل أو النقطتان الأفقيتان اللتان تستخدمان للدلالة على أن الحرفين المتحركين ينطقان منفصلين (مثل:
نامعلوم صفحہ