108

يتساءل تليماك، لماذا لم ينتقم مينلاوس لمقتل أخيه؟ يقول نيستور لأنه كان مفقودا مدة سبع سنوات (رقم سحري). والآن يجب على تليماك أن يسافر نحو الداخل ليزوره، ربما كان مينلاوس يعرف شيئا عن مكان وجود أوديسيوس. عندما يحلق منتور/أثينا بعيدا في السماء على هيئة طائر، يدرك تليماك هوية من كان مصاحبا له. ومن أجل تعظيم الإلهة، يقدم نيستور قربانا ثانيا، بقرة صغيرة. ويخبرنا هوميروس بكل تفصيلة عن نحر البهيمة، حتى نفهم بصورة جيدة، إلى حد ما، ماذا كان يحدث في طقس ديني في اليونان في عصورها الأولى. (5) «تليماك في إسبرطة» (4، 1-331)، و«عودة مينلاوس» (4، 332-619)، و«الخطاب يتآمرون» (4، 620-847)

كما لو كانا في رحلة سحرية، يتخذ تليماك وبيسيستراتوس، ابن نيستور، نقطة توقف وسطى، ثم يسافران بعربة تجرها الخيول فوق سلسلة جبال تايجتوس التي تفصل إقليم ميسينيا في الجنوب الشرقي لشبه جزيرة بيلوبونيز، حيث توجد مدينة بيلوس، عن وادي لاكيديمون في الجنوب الشرقي لشبه جزيرة بيلوبونيز، حيث توجد إسبرطة. إن من شأن هذه الرحلة أن تكون مسيرة صعبة فوق جبال شاهقة وعرة، ولكن يبدو أن هوميروس غير متيقن من الجغرافية الحقيقية لجنوب شبه جزيرة بيلوبونيز.

يعد وصف هوميروس للتوترات الزوجية في إسبرطة بين هيلين ومينلاوس رائعة من روائع الأدب الساخر بين أفراد العائلة الواحدة كما أنه ذو نبرة معاصرة على نحو غير متوقع، كما يحدث أحيانا في القصائد الهوميرية. يصل تليماك وبيسيستراتوس إلى إسبرطة في نفس اليوم الذي ستتزوج فيه هرميون، ابنة هيلين الوحيدة، من ابن غير شرعي لمينلاوس في حفل زفاف ثنائي. كانت هيلين قد تخلت عن هرميون لتهرب مع رفيقها السابق باريس إلى طروادة، وهو ارتباط كان مفعما بالعاطفة لكنه لم يثمر أطفالا، ولكنها الآن عادت للديار وكل شيء مما مضى صار في طي النسيان. وكما تميزت زيارة تليماك لمدينة بيلوس بتقديم قربان ديني، الأمر الذي كان بالغ الاختلاف عن الفساد الأخلاقي الذي عانى منه في البيت، يختبر الشاب الآن بهجة الزواج الشرعي، المغاير كثيرا لجحر الأفعى الكائن على جزيرة إيثاكا. مع كل مثال ينتقل تليماك إلى عالم من الذوق الحسن والاستقرار الاجتماعي؛ إنه طفل دون أب يتعلم نماذج للسلوك.

تتسم ملحمة «الأوديسة» بالهوس بمشاهد التعرف، وهي إحدى أدوات الحكاية الشعبية . ليس ثمة وجود لمشاهد التعرف في «الإلياذة»، ولكنها تتوالى تباعا في «الأوديسة». ويختص أوديسيوس بالمجموعة الكبرى من مشاهد التعرف، ولكن تليماك هو ابنه البار المشابه لأبيه. في بادئ الأمر لا يتعرف عليه أحد في إسبرطة. وعندما يذرف الدمع عند ذكر أوديسيوس، يخامر الشك مينلاوس وتعرف هيلين البارعة والفاتنة أن هذا هو تليماك، ابن أوديسيوس. إن تعرف هيلين على تليماك هو علامة نضجه، ويحيل التفكير في والده النبيل، الذي صار تليماك يشبهه كثيرا، الجميع إلى حالة من الحزن.

تأتي هيلين بعقار قوي يسمى

nepenthê «لا ألم» كانت قد وجدته في مصر وتسقطه في وعاء الشراب. وسرعان ما يشعر الجميع بالمرح. ومن أجل أن تمتدح هيلين أوديسيوس، توضح كيف أنه جاء ذات مرة متنكرا إلى طروادة (كما سوف يفعل على جزيرة إيثاكا)، ولكنها تعرفت عليه وساعدته ليقتل الكثير من الطرواديين. لقد كانت دوما تعمل لمصلحة زوجها!

ولكي ينتقم مينلاوس من ادعاءات زوجته وتلميحاتها، ولكن دون إفساد الحالة المزاجية السائدة، يمتدح هو الآخر أوديسيوس، متذكرا إنقاذه للآخيين في الليلة التي وقفت فيها هيلين خارج حصان طروادة مع ديفوبوس، الرجل الذي كانت تمارس معه الجنس بعد موت باريس، وقلدت أصوات زوجات الرجال المختبئين بالداخل. ويرجع الفضل في ذلك إلى أوديسيوس الذي وضع يده على فم أحد قادة الآخيين الذي كان على وشك أن يرد!

في اليوم التالي يحكي مينلاوس قصة عودته إلى الديار من طروادة، وهي القصة التي تضاهي قصة عودة أوديسيوس، ولو أنها أقل تعقيدا. في البداية علق في مصر، ثم بينما كان يبحر ضل سبيله حتى وصل إلى جزيرة فاروس، «التي تبعد عن الساحل مسافة إبحار يوم كامل» (كانت جزيرة فاروس الحقيقية، التي تعني باللغة المصرية القديمة «بيت ري»، تقع في خليج الإسكندرية على بعد بضع مائة ياردة من الشاطئ). وتصادق مع حورية من حوريات البحر، اسمها إيدوثيا (ويعني «ذات الهيئة الإلهية»؛ مثلما سوف تصادق ربة البحر ليوكوثيا أوديسيوس ). وستر نفسه بجلد عجل من عجول البحر (مثلما سوف يتعلق أوديسيوس تحت كبش ليهرب من السايكلوب). والتقى مينلاوس بشخص متنبئ ذي بأس، هو بروتيوس عجوز البحر، وتغلب عليه (مثلما تحدث أوديسيوس مع تيريسياس المتنبئ على ساحل أرض الكيميريين). عرف مينلاوس من بروتيوس المصير التعس لشقيقه أجاممنون، ولأياس الأدنى شأنا، ابن أويليوس، الذي عوقب على ثقته المفرطة بنفسه. وعرف أيضا أن أوديسيوس كان محتجزا على جزيرة الحورية كاليبسو (التي يعني اسمها «الموارية») رغما عنه (على الرغم من أن أوديسيوس لم يعلم بمصائر رفاقه إلا عندما سافر إلى نهر أوقيانوس).

يغادر تليماك في اليوم التالي، متسلحا بهذه المعلومات الشحيحة، ويهبه مينلاوس وعاء شراب فينيقيا بديعا:

من بين كل الهدايا التي تقبع مخزونة كذخائر في داري، سأمنحك واحدة هي أجملها وأغلاها. سأمنحك وعاء لخلط الشراب محكم الصنع مصنوعا كله من الفضة وذا حواف ذهبية، من صنع هيفايستوس. منحه إياي المحارب فيديموس، ملك الصيداويين حينما أويت إلى داره عند ذهابي إليه، وأنا الآن أرغب في أن أمنحه لك. (الأوديسة، 4، 613-619)

نامعلوم صفحہ