100

يستدعي زيوس ثيتيس، التي ستنصح آخيل بأن يتخلى عن الجثمان حتى يدفن. تذهب الإلهة الرسولة إيريس إلى بريام وتخبره بأنه يجب أن يقوم برحلة إلى خيمة آخيل، حاملا فدية مقابل جثمان ابنه. غير أن آخيل يشارف من خلال فهمه الخاص على الوصول إلى نهاية غضبه، الذي وجهه في البداية نحو أجاممنون، ثم هيكتور؛ فيقول ببساطة ردا على طلب أمه:

فليكن. ليحمل الجثة ويأخذها من يجلب الفدية، إن كان ذلك هو مقصد الأوليمبي وغايته الحقيقية. (الإلياذة، 24، 139-140)

إن هيرميس لم يطالعنا إلا قليلا في هذه القصيدة؛ فنراه ينضم إلى «معركة الآلهة» في مواجهة ليتو، لكنهما يقرران ألا يشتبكا. في العقيدة الإغريقية الكلاسيكية يصل هيرميس هذا العالم بالعالم الآخر، وقد لاحظ كثيرون أن مشهد «فدية هيكتور» يبدو مستندا إلى ما يسمى

katabasis ، أي «الذهاب إلى الأسفل»، وهي أسطورة موغلة في القدم عن الهبوط إلى العالم السفلي. وبينما يتسلل بريام في جنح الظلام عابرا السهل ، يصل إلى نهر (يتوسل باتروكلوس من أجل أن يسمح له بعبور النهر إلى العالم الآخر). وهناك يلتقي به هيرميس، متخفيا في هيئة تابع لآخيل. يتولى هيرميس قيادة العربة، وعندما يصلون إلى المتاريس، يهبط نوم غريب جميل على عيون الحراس وتنفتح البوابات على مصراعيها من تلقاء نفسها. إن مسكن آخيل موصوف في السابق وصفا مبهما بأنه كوخ أو خيمة، ولكنه الآن حصن ضخم له مزلاج هائل لا يستطيع تحريكه إلا ثلاثة رجال عاديين (بالطبع يستطيع آخيل أن يقوم بالأمر بمفرده). يبدو آخيل مثل رب الموت، وهذا المكان هو مستقره. إن هوميروس يستخدم لغة

katabasis (النزول إلى العالم السفلي) التقليدية حتى يضفي هيبة وتأثيرا دراميا على انحلال عقدته النهائي. قدم بريام ليستجلب جثة، يقوده هيرميس الذي يصل هذا العالم بالعالم الآخر. وفي أسطورة لاحقة، يهبط أورفيوس إلى العالم السفلي لكي يسترجع زوجته المتوفاة يوريديس.

تضفي البنية الأساسية الأسطورية على المشهد جوا مخيفا، بيد أن مراد هوميروس هو أن يحل عقدة قصته. ينبذ آخيل الأساس الأخلاقي الذي يقوم عليه السلوك البطولي في مشهد «البعثة إلى آخيل»، رافضا الهدايا المقدمة وزاعما أن سؤدده/شرفه يأتي من زيوس. بعد قتل آخيل لهيكتور، تكلم بمغالاة مماثلة، وبمفردات مشابهة، عندما قال إنه لن يترك قط الجثة لتدفن، ولا حتى إن نال وزنها ذهبا. أما الآن «فلسوف» يتركها، ويترك معها سخطه. ويدرك أنه لا طائل من تقسيم العالم إلى أصدقاء وأعداء في حين أن كل البشر، حتى هو وبريام، متحدون في معاناتهم. في هذا المشهد نختبر عبقرية هوميروس الأخلاقية؛ إذ يتوقع مبدأ الأخوة بين بني البشر الذي نشره لاحقا فلاسفة الإغريق والفلاسفة الأخلاقيون المسيحيون.

وبفضل معاونة هيرميس، يدخل بريام إلى الكوخ دون أن يلاحظه أحد:

دخل بريام العظيم دون أن يراه أحد ووقف على مقربة من آخيل وطوق ركبتي آخيل بذراعيه وقبل يديه، اليدين الرهيبتين قاتلتي الرجال اللتين أودتا بحياة كثير من أبنائه. ومثلما يحدث حين تحيق آتي برجل فيقتل في وطنه رجلا آخر ويهرب إلى أرض غريبة، وإلى بيت رجل ذي مكانة، فيتملك العجب من كل من يرونه، تملك العجب آخيل وهو ينظر إلى بريام شبيه الآلهة وتملك العجب الآخرين أيضا، وأخذ كل منهما ينظر إلى الآخر. بيد أن بريام توسل إليه وتكلم قائلا: «يا آخيل الشبيه بالآلهة، تذكر أباك، الذي في مثل سني، على عتبة الشيخوخة المفزعة.» (الإلياذة، 24، 477-487)

وإذ ينظر آخيل إلى الرجل المسن يرى فيه أباه، وعند هذه اللحظة يفهم:

ولكن تعال واجلس، ولندع أحزاننا قابعة في قلوبنا، رغم ألمنا. فلا فائدة ترجى من الندب المرير. فهكذا غزلت الآلهة حياة البشر التعساء حتى يعيشوا في ألم في حين أن الآلهة لا تعرف الحزن. فعلى عتبات زيوس توجد جرتان للعطايا التي يمنحها، إحداهما تحوي الشر، والأخرى تحوي البركات. فمن يعطيه زيوس، الذي يطلق الصواعق، نصيبا مختلطا، عندئذ يواجه الشر تارة، والخير تارة أخرى. أما من لا يعطيه إلا الشر فإنه يجعله مكروها من بني البشر ويسيره على وجه الأرض المقدسة جوع مقيت، ويهيم على وجهه لا يجد مكرمة من الإلهة ولا من البشر. (الإلياذة، 24، 522-533)

نامعلوم صفحہ