229

ہلل سندسیہ

الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية (الجزء الأول)

اصناف

655

ثم قال ابن حوقل: ومن أعجب ما في هذه الجزيرة بقاؤها على من هي في يده، مع صغر أحلام أهلها، وضعة نفوسهم، ونقص عقولهم، وبعدهم من البأس والشجاعة، والفروسية والبسالة، ولقاء الرجال، ومراس الأنجاد والأبطال، مع علم أمير المؤمنين بمحلها في نفسها، ومقدار جباياتها، ومواقع نعمها ولذاتها. قال علي بن سعيد مكمل هذا الكتاب: لم أر بدا من إثبات هذا الفصل، وإن كان على أهل بلدي فيه من الظلم والتعصب ما لا يخفى، ولسان الحال في الرد أنطق من لسان البلاغة، وليت شعري إذ سلب أهل هذه الجزيرة العقول والآراء، والهمم والشجاعة، فمن الذين دبروها بآرائهم وعقولهم، مع مراصدة أعدائها المجاورين لها من خمسمائة سنة ونيف؟ ومن الذين حموها ببسالتهم من الأمم المتصلة نهم، في داخلها وخارجها، نحو ثلاثة أشهر، على كلمة واحدة، في نصرة الصليب وإني لأعجب منه إذ كان في زمان قد دلفت فيه عباد الصليب إلى الشام والجزيرة وعاثوا كل العبث في بلاد الإسلام، حيث الجمهور والقبة العظمى، حتى إنهم دخلوا مدينة حلب، وما أدراك! وفعلوا فيها ما فعلوا، وبلاد الإسلام متصلة بها من كل جهة، إلى غير ذلك مما هو مسطور في كتب التواريخ.

ومن أعظم ذلك وأشده أنهم كانوا يتغلبون على الحصن من حصون الإسلام التي يتمكنون بها من بسائط بلادهم، فيسبون ويأسرون، فلا تجتمع همم الملوك المجاورة على حسم الداء في ذلك، وقد يستعين به بعضهم على بعض، فيتمكن من ذلك الداء الذي لا يطب.

وقد كانت جزيرة الأندلس في ذلك الزمان بالضد من البلاد التي ترك وراء ظهره، وذلك موجود في تاريخ ابن حيان وغيره. وإنما كانت الفتنة بعد ذلك. الأعلام بينة، والطريق واضح.

656

فلنرجع إلى ما نحن بسبيله.

كانت سلطنة الأندلس في صدر الفتح على ما تقدم من اختلاف الولاة عليها من سلاطين أفريقية، واختلاف الولاة داع إلى اضطراب، وعدم تأثل الأحوال وتربية الضخامة في الدولة:

657

ولما صارت الأندلس لبني أمية، وتوارثوا ممالكها، وانقاد إليهم كل أبي فيها، وأطاعهم كل عصي، عظمت الدولة بالأندلس، وكبرت الهمم، واستتبت الأحوال، وترتبت القواعد. وكانوا صدرا من دولتهم يخطبون لأنفسهم بأبناء الخلائف. ثم خطبوا لأنفسهم الخلافة، وملكوا من بر العدوة ما ضخمت به دولتهم، وكانت قواعدهم إظهار الهيبة، وتمكن الناموس من قلوب العالم، ومراعاة أحوال الشرع في كل الأمور، وتعظيم العلماء، والعمل بأقوالهم، وإحضارهم في مجالسهم، واستشارتهم، ولهم حكايات في تاريخ ابن حيان، منها ما هو مذكور من توجه الحكم على خليفتهم، أو على ابنه أو أحد حاشيته المختصين وأنهم كانوا في نهاية من الانقياد إلى الحق، لهم أو عليهم، بذلك انضبط لهم أمر الجزيرة.

ولما خرقوا هذا الناموس، كان أول ما تهتك أمرهم ثم اضمحل.

نامعلوم صفحہ