عشتم مثلي في زمن المحنة، والمحنة عاناها الشعر وقاستها الكلمة. في العقود الأولى من قرنكم السادس، كانت أصوات الشعراء ما تزال عالية شجية: «سافو» و«ألكايوس» من جزيرة «لسبوس»، «سيمونيدس» و«ميمنيرموس» من «أيونيا»، «صولون» الشاعر والمشرع الشهير من أثينا. لكن لا بد أنهم قد ماتوا جميعا قبل انتصاف القرن، ولم يخلفهم أحد، ولا بد أن الجيل الذي تلاهم قد خبت فيه نار الشعر، وخرست قيثاره، حتى حلت سنة 530، فانطلقت شرارته المقدسة من جديد. هذا الجيل المجدب هو الذي ازدهرت فيه حكمتكم، حكمتكم التي لم تكن شعرا ولا فلسفة، بل تجسيدا للفطنة والخبرة والتجربة العملية.
الحكماء :
تتسرع في توجيه التهمة، وتضن علينا بالحكمة، مع أنا منذ القدم نسمى الحكماء.
المؤرخ :
معذرة، أنا لا أتهم ولا أدافع، بل أتلمس آثار الحكمة، أو أبكي فوق الأطلال. ما ذنبي إذا كان عصري هو عصر سقوط القيم، وزمني ضاعت فيه الحكمة والعقل؟ ما ذنبي إن كانت كتب التاريخ تمجدكم أحيانا، أو تبخل في أحيان أخرى فتسميكم الرجال الأذكياء؟ هلا أجبتم على سؤالي؟
الحكماء :
لا ندري كيف نرد عليك! ربما لأن الواقع العملي في أيامنا بدأ يفرض سلطانه فازدرى الشعر، واستصغر شأن الكلمة، وأخذ يولي وجهه شطر حقائق الحياة.
المؤرخ :
ربي! هذا ما نلقاه الآن.
الحكماء :
نامعلوم صفحہ