غضبت عليه وصحت: يا لك من إغريقي فظ! أتضن علي بالسعادة بعد كل ما رأيت من كنوزي وأملاكي؟!
صولون :
ستكون سعيدا لو حضرك الموت، وهي ملك يمينك.
كرويزوس :
وها أنا ذا أذكره الآن وأذكر ما قال. أتذكر حكايته عن الأب الذي سعد برؤية أبنائه والموت في سبيل وطنه، وعن الولدين اللذين جرا العربة التي حملت أمهما إلى المعبد بدلا من الثيران، ثم ماتا راضيين بعد أن أدت الصلاة. إن كلمات هذا الأثيني لم تصدق علي وحدي. أعرف الآن أنها تصدق على كل إنسان، خصوصا من زينت له الأوهام أنه أسعد السعداء.
المؤرخ :
استمع قورش إلى حديث كرويزوس. كان الملك الأسير يقف صلبا متجلدا فوق المحرقة، والنيران تئز حواليه وتطلق شررها عليه. وتفكر قورش فيما قاله المترجمون، وحدثته نفسه قائلة: حقا، إن كلمات الملك المنكوب لا تنطبق عليه وحده، ها أنا ذا إنسان مثله، أحسب نفسي منتصرا أو سعيدا، أسلم للنار إنسانا لم يكن أقل مني سعادة. من يدري؟ هل تقتص الأقدار مني؟ من يضمن ألا يحدث لي ما يحدث له؟ آه! من يضمن شيئا في هذا العالم؟ لا شيء أكيد فيه، لا أمان للحياة! ونظر إلى الملك الذي التفت حوله النيران، فأمر بأن تطفأ على الفور، وينزل هو ومن معه من فوق المحرقة.
وحاول الجنود أن ينفذوا أمر الملك، لكنهم عجزوا عن السيطرة على النار. ولاحظ كرويزوس أن الملك غير رأيه، وأن الخدم والحشم يكافحون النار ولا يستطيعون إطفاءها، فاستغاث بأبوللو وهو يصرخ: إن كنت تذكر تضحياتي وهداياي إليك، إن كنت قد استطعت أن أرضيك، فاذكرني في محنتي وخفف عني الويل، الطف بي يا رب النور الساطع واكشف عني ضنك الليل. وبكى كرويزوس كما لم يبك في حياته، وابتهل وتمتم بالدعوات وسالت أنهار دموعه، ورفع بصره إلى السماء الصافية فوجدها تتلبد فجأة بالسحب المظلمة.وخطف البصر بريق البرق، وانهمر المطر سيولا أطفأت النار. كان قورش ورجاله يتابعون المشهد وهم يحبسون الأنفاس، وعرف الملك الجبار أن إهاب الملك المنكوب يشف عن إنسان طيب. وصاح بالرجال أن يعجلوا بإنزاله من فوق المحرقة. وقربه منه، وسأله وهو يشد على يده: كرويزوس، من حرضك على محاربة بلادي ومعاداتي، بدلا من أن تكون صاحبي وصديقي؟ قال كرويزوس: أيها الملك ... فعلت هذا لما حالفك الحظ وخاصمني، والذنب في هذا هو ذنب إله الإغريق الذي دفعني إلى الحرب، وليس يفضل الحرب على السلام إلا الأخرق والأحمق؛ ففي ظل السلام يدفن الأبناء آباءهم، أما في الحرب، فيواري الآباء أبناءهم التراب. لكن الإلهة اختارت، شاءت هذا ومشيئتها كانت. هكذا قال ومد قورش يده ففك قيوده، وأجلسه بجانبه، وأظهر له المودة والهيبة والكرامة. وتطلع إليه الملك والحاضرون بإجلال وإعجاب.
الحكماء :
لا تقل إنك ما دمت حيا ... والإنسان لا يأمن ما تأتي به الحياة قبل لحظات من مفارقة الحياة.
نامعلوم صفحہ