244

حجة الله البالغة

حجة الله البالغة

ایڈیٹر

السيد سابق

ناشر

دار الجيل

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

سنة الطبع

پبلشر کا مقام

بيروت - لبنان

قَالَ رَسُول الله ﷺ: " كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة، ثمَّ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، ويمجسانه كَمَا تنْتج الْبَهِيمَة جَمْعَاء هَل تُحِسُّونَ فِيهَا من جَدْعَاء ".
أَقُول اعْلَم أَن الله تَعَالَى أجْرى سنته بِأَن يخلق كل نوع من الْحَيَوَانَات والنباتات وَغَيرهمَا على شكل خَاص بِهِ، فَخص الْإِنْسَان مثلا بِكَوْنِهِ بَادِي الْبشرَة مستوي الْقَامَة عريض الْأَظْفَار ناطقا ضَاحِكا، وبتلك الْخَواص يعرف أَنه إِنْسَان اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تخرق الْعَادة فَرد نَادِر كَمَا ترى أَن بعض المولودات يكون لَهُ خرطوم أَو حافر فَكَذَلِك أجْرى سنته أَن يخلق فِي كل نوع قسطا من الْعلم والإدراك محدودا بِحَدّ مَخْصُوصًا بِهِ لَا يُوجد فِي غَيره مطردا فِي أَفْرَاده، فَخص النَّحْل بِإِدْرَاك
الْأَشْجَار الْمُنَاسبَة لَهَا، ثمَّ اتِّخَاذ الأكنان وَجمع الْعَسَل فِيهَا، فَلَنْ ترى فَردا من أَفْرَاد النَّحْل إِلَّا وَهُوَ يدْرك ذَلِك، وَخص الْحمام بِأَنَّهُ كَيفَ يهدر وَكَيف يعشش وَكَيف يزق فِرَاخه، وَكَذَلِكَ خص الله تَعَالَى الْإِنْسَان بِإِدْرَاك زَائِد وعقل مُسْتَوْفِي، ودس فِيهِ معرفَة بارئه وَالْعِبَادَة لَهُ وأنواع مَا يرتفقون بِهِ فِي معاشهم وَهُوَ الْفطْرَة، فَلَو أَنهم لم يمنعهُم مَانع لكبروا عَلَيْهَا، لكنه قد تعترض الْعَوَارِض كاضلال الْأَبَوَيْنِ، فينقلب الْعلم جهلا كَمثل الرهبان يتمسكون بأنواع الْحِيَل، فيقطعون شَهْوَة النِّسَاء والجوع مَعَ أَنَّهُمَا مدسوسان فِي فطْرَة الْإِنْسَان.
وَقَوله ﷺ: " خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم - وَقَوله ﷺ هم من آبَائِهِم " وَقَوله ﷺ: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين " وَقَوله ﷺ فِي مَنَامه الطَّوِيل: " نسم ذُرِّيَّة بني آدم تكون عِنْد إِبْرَاهِيم ﵇ ". اعْلَم أَن الْأَكْثَر أَن يُولد الْوَلَد على الْفطْرَة كَمَا مر، لَكِن قد يخلق بِحَيْثُ يسْتَوْجب اللَّعْن بِلَا عمل كَالَّذي قَتله الْخضر طبع كَافِرًا، وَأما من آبَائِهِم فَمَحْمُول على أَحْكَام الدُّنْيَا، وَلَيْسَ أَن التَّوَقُّف فِي النواميس إِنَّمَا يكون لعدم الْعلم، بل قد يكون لعدم انضباط الْأَحْكَام بمظنة ظَاهِرَة أَو لعدم الْحَاجة إِلَى بَيَانه أَو غموض فِيهِ بِحَيْثُ لَا يفهمهُ المخاطبون.

1 / 284