172

حجة الله البالغة

حجة الله البالغة

تحقیق کنندہ

السيد سابق

ناشر

دار الجيل

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

سنة الطبع

پبلشر کا مقام

بيروت - لبنان

﴿إِن الَّذين يكتمون مَا أنزل الله من الْكتاب ويشترون بِهِ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُون فِي بطونهم إِلَّا النَّار﴾ . وَمِنْهَا شيوع الْمُنْكَرَات وَترك عُلَمَائهمْ النَّهْي عَنْهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ ألوا بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض إِلَّا قَلِيلا مِمَّا أنجينا مِنْهُم وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ وَكَانُوا مجرمين﴾ . وَقَوله ﷺ لما وَقعت بَنو إِسْرَائِيل فِي الْمعاصِي: " نهتهم علماؤهم، فَلم ينْتَهوا، فجالسوهم فِي مجَالِسهمْ، وآكلوهم، وشاربوهم، فَضرب الله قُلُوب بَعضهم بِبَعْض، ولعنهم على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى بن مَرْيَم ذَلِك بِمَا عصوا، وَكَانُوا يعتدون ". وَمن أَسبَاب التحريف التعمق، وَحَقِيقَته أَن يَأْمر الشَّارِع بِأَمْر وَينْهى عَن شَيْء فيسمعه رجل من أمته، ويفهمه حَسْبَمَا يَلِيق بذهنه، فيعدي الحكم إِلَى مَا يشاكل الشَّيْء بِحَسب بعض الْوُجُوه أَو بعض أَجزَاء الْعلَّة أَو إِلَى أَجزَاء الشَّيْء ومظانه ودواعيه، وَكلما اشْتبهَ عَلَيْهِ الْأَمر لتعارض الرِّوَايَات الْتزم الأشد، ويجعله وَاجِبا، وَيحمل كل مَا فعله النَّبِي ﷺ على الْعِبَادَة، وَالْحق أَنه فعل أَشْيَاء على الْعَادة، فيظن أَن الْأَمر وَالنَّهْي شملا فِي هَذِه الْأُمُور، فيجهر بِأَن الله تَعَالَى أَمر بِكَذَا، وَنهى عَن كَذَا، كَمَا أَن الشَّارِع لما شرع الصَّوْم لقهر النَّفس وَمنع عَن الْجِمَاع فِيهِ ظن قوم أَن السّحُور خلاف الْمَشْرُوع؛ لِأَنَّهُ يُنَاقض قهر النَّفس، وَأَنه يحرم على الصَّائِم قبْلَة امْرَأَته لِأَنَّهَا من دواعي الْجِمَاع، وَلِأَنَّهَا تشاكل الْجِمَاع فِي قَضَاء الشَّهْوَة، فكشف رَسُول الله ﷺ عَن فَسَاد هَذِه المقاملة وَبَين أَنه تَحْرِيف. وَمِنْهَا التشدد وَحَقِيقَته اخْتِيَار عبادات شاقة لم يَأْمر بهَا الشَّارِع كدوام الصّيام وَالْقِيَام التبتل وَترك التَّزَوُّج، وَأَن يلْتَزم السّنَن والآداب كالتزام الْوَاجِبَات وَهُوَ حَدِيث نهي النَّبِي ﷺ عبد الله بن عَمْرو وَعُثْمَان ابْن مَظْعُون عَمَّا قصدا من الْعِبَادَات الشاقة وَهُوَ قَوْله ﷺ " لن يشاد الدّين أحد إِلَّا غَلبه " فَإِذا صَار هَذَا المتعمق أَو المتشدد معلم قوم وَرَئِيسهمْ ظنُّوا أَن هَذَا أَمر الشَّرْع وَرضَاهُ، وَهَذَا دَاء رُهْبَان الْيَهُود وَالنَّصَارَى. وَمِنْهَا الِاسْتِحْسَان وَحَقِيقَته أَن يرى رجل الشَّارِع يضْرب لكل حِكْمَة مَظَنَّة مُنَاسبَة، وَيَرَاهُ يعْقد التشريع، فيختلس بعض مَا ذكرنَا من أسرار التشريع، فيشرع للنَّاس حَسْبَمَا عقل من الْمصلحَة. كَمَا أَن الْيَهُود رَأَوْا أَن الشَّارِع إِنَّمَا أَمر بالحدود زجرا عَن الْمعاصِي للاصلاح، وَرَأَوا أَن الرَّجْم يُورث اخْتِلَافا وتقاتلا بِحَيْثُ يكون فِي ذَلِك اشد الْفساد،

1 / 211