تتعرض لخطر الثَّوَاب وَالْعِقَاب بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَة، وبعرضها عَلَيْهِنَّ اعْتِبَارهَا بِالْإِضَافَة إِلَى استعدادهن، وبإبائهن الْآبَاء الطبيعي الَّذِي هُوَ عدم اللياقة والاستعداد، وبحمل الْإِنْسَان قابليته واستعداده لَهَا.
أَقُول وعَلى هَذَا فَقَوله تَعَالَى ﴿إِنَّه كَانَ ظلوما جهولا﴾ خرج مخرج التَّعْلِيل؛ فَإِن الظلوم من لَا يكون عادلا، وَمن شَأْنه أَن يعدل، والجهول من لَا يكون عَالما، وَمن شَأْنه أَن يعلم، وَغير الْآدَمِيّ إِمَّا عَالم عَادل لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ الظُّلم وَالْجهل كالملائكة، وَإِمَّا لَيْسَ بعادل وَلَا عَالم وَلَا من شَأْنه أَن يكسبها كَالْبَهَائِمِ، وَإِنَّمَا يَلِيق بالتكليف، ويستعد لَهُ من كَانَ لَهُ كَمَال بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ، وَاللَّام فِي قَوْله تَعَالَى ﴿ليعذب﴾ لَام الْعَاقِبَة كَأَنَّهُ قَالَ عَاقِبَة حمل الْأَمَانَة التعذيب والتنعيم، وَإِن شِئْت أَن تستجلي حَقِيقَة الْحَال فَعَلَيْك أَن تتَصَوَّر حَال الْمَلَائِكَة فِي تجردها لَا يزعجها حَالَة ناشئة من تَفْرِيط الْقُوَّة البهيمية كالجوع والعطش وَالْخَوْف والحزن، أَو إفراطها كالشبق وَالْغَضَب والتيه وَلَا يهمها التغذية والتنمية وَلَو أحقهما، وَإِنَّمَا تبقى فارغة لانتظار مَا يرد عَلَيْهَا من فَوْقهَا، فَإِذا ترشح عَلَيْهَا أَمر من فَوْقهَا من إِجْمَاع على إِقَامَة نظام مَطْلُوب أَو رضَا من شَيْء، أَو بغض شَيْء امْتَلَأت بِهِ، وانقادت لَهُ، وانبعثت إِلَى مُقْتَضَاهُ وَهِي فِي ذَلِك فانية عَن مُرَاد نَفسهَا بَاقِيَة بِمُرَاد مَا فَوْقهَا، ثمَّ تتَصَوَّر حَال الْبَهَائِم فِي تلطخها بالهيآت الخسيسة لَا تزَال مشغوفة بمقتضيات الطبيعة فانية فِيهَا لَا تنبعث إِلَى شَيْء إِلَّا انبعاثا بهيميا يرجع إِلَى نفع جَسَدِي واندفاع إِلَى مَا تعطيه الطبيعة فَقَط.
ثمَّ تعلم أَن الله تَعَالَى قد أودع الْإِنْسَان بِحِكْمَتِهِ الباهرة قوتين: قُوَّة ملكية تتشعب من فيض الرّوح الْمَخْصُوصَة بالإنسان على الرّوح الطبيعية السارية فِي الْبدن وقبولها ذَلِك الْفَيْض وانقهارها لَهُ، وَقُوَّة بهيمية تتشعب من النَّفس الحيوانية الْمُشْتَرك فِيهَا كل حَيَوَان المتشبحة بالقوى الْقَائِمَة بِالروحِ الطبيعية واستقلالها بِنَفسِهَا وإذعان الرّوح الإنسانية لَهَا وقبولها الحكم مِنْهَا، ثمَّ تعلم أَن بَين القوتين تزاحما وتجاذبا، فَهَذِهِ تجذب إِلَى الْعُلُوّ دون تِلْكَ إِلَى
1 / 54