حجة الله البالغة

Shah Waliullah Dehlawi d. 1176 AH
149

حجة الله البالغة

حجة الله البالغة

تحقیق کنندہ

السيد سابق

ناشر

دار الجيل

ایڈیشن نمبر

الأولى

اشاعت کا سال

سنة الطبع

پبلشر کا مقام

بيروت - لبنان

لتحصل إِلَّا ببذل أَمْوَال خطيرة، وَلَا تحصل تِلْكَ الْأَمْوَال إِلَّا بِتَضْعِيف الضرائب على الفلاحين والتجار وأشباههم والتضييق عَلَيْهِم، فان امْتَنعُوا قاتلوهم، وعذبوهم، وَإِن أطاعوا جعلوهم بِمَنْزِلَة الْحمير وَالْبَقر يسْتَعْمل فِي النَّضْح والدياس والحصاد، وَلَا تقتني إِلَّا ليستعان بهَا فِي الْحَاجَات، ثمَّ لَا تتْرك سَاعَة من العناء حَتَّى صَارُوا لَا يرفعون رُؤْسهمْ إِلَى السَّعَادَة الأخوية أصلا، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ذَلِك، وَرُبمَا كَانَ إقليم وَاسع لَيْسَ فيهم أحد يهمه دينه، وَلم يكن ليحصل أَيْضا إِلَّا بِقوم يتكسبون بتهيئة تِلْكَ المطاعم والملابس والابنية وَغَيرهَا، ويتركون أصُول المكاسب الَّتِي عَلَيْهَا بِنَاء نظام الْعَالم، وَصَارَ عَامَّة من يطوف عَلَيْهِم يتكلفون محاكاة الصناديد فِي هَذِه الْأَشْيَاء، وَإِلَّا لم يَجدوا عِنْدهم حظوة، وَلَا كَانُوا عِنْدهم على بَال، وَصَارَ جُمْهُور النَّاس عيالا على الْخَلِيفَة يَتَكَفَّفُونَ مِنْهُ تَارَة على أَنهم من الْغُزَاة والمدبرين للمدينة يترسمون برسومهم وَلَا يكون الْمَقْصُود دفع الْحَاجة وَلَكِن الْقيام بسيرة سلفهم، وَتارَة على أَنهم شعراء جرت عَادَة الْمُلُوك بصلتهم، وَتارَة على أَنهم زهاد وفقراء يقبح من الْخَلِيفَة أَلا يتفقد حَالهم، فيضيق بَعضهم بَعْضًا، وتتوقف مكاسبهم على صُحْبَة الْمُلُوك والرفق بهم وَحسن المحاورة مَعَهم والتملق مِنْهُم، وَكَانَ ذَلِك هُوَ الْفَنّ الَّذِي تتعمق أفكارهم فِيهِ، وتضيع أوقاتهم مَعَه، فَلَمَّا كثرت هَذِه الأشغال تشبح فِي نفوس النَّاس هيآت خسيسة، وأعرضوا عَن الْأَخْلَاق الصَّالِحَة وَإِن شِئْت أَن تعرف حَقِيقَة هَذَا الْمَرَض، فَانْظُر إِلَى قوم لَيست فيهم الْخلَافَة، وَلَا هم متعمقون فِي لذائذ الْأَطْعِمَة والألبسة - تَجِد كل وَاحِد مِنْهُم بِيَدِهِ أمره، وَلَيْسَ عَلَيْهِ من الضرائب الثَّقِيلَة مَا يثقل ظَهره، فهم يَسْتَطِيعُونَ التفرغ لأمر الدّين وَالْملَّة، ثمَّ تصور حَالهم لَو كَانَ فيهم الْخلَافَة، وملأوها، وَسَخِرُوا الرّعية، وتسلطوا عَلَيْهِم فَلَمَّا عظمت الْمُصِيبَة وَاشْتَدَّ هَذَا الْمَرَض - سخط عَلَيْهِم الله وَالْمَلَائِكَة المقربون، وَكَانَ رِضَاهُ تَعَالَى فِي معالجة هَذَا الْمَرَض بِقطع مادته، فَبعث نَبيا أُمِّيا ﷺ لم يخالط الْعَجم وَالروم، وَلم يترسم برسومهم، وَجعله ميزانا يعرف بِهِ الْهدى الصَّالح المرضي عِنْد الله من غير المرضي، وأنطقه بذم عادات الْأَعَاجِم وقبح الِاسْتِغْرَاق فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا والاطمئنان بهَا، وَنَفث فِي قلبه أَن يحرم عَلَيْهِم رُءُوس مَا اعتاده الْأَعَاجِم، وتباهوا بهَا كلبس الْحَرِير والقسى والأرجوان وَاسْتِعْمَال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة وحلي الذَّهَب غير المقطع وَالثيَاب المصنوعة فِيهَا الصُّور وتزويق الْبيُوت وَغير ذَلِك، وَقضى بِزَوَال دولتهم بدولته، ورياستهم برياسته، وَبِأَنَّهُ هلك كسْرَى، فَلَا كسْرَى بعده وَهلك قَيْصر، فَلَا قَيْصر بعده. وَاعْلَم أَنه كَانَ فِي أهل الْجَاهِلِيَّة مناقشات ضيقت على الْقَوْم وصعبت، وَلم يكن زَوَالهَا إِلَّا بِقطع رُءُوسهم فِي ذَلِك الْبَاب كثأر القتلة كَانَ الْإِنْسَان يقتل إنْسَانا فَيقْتل ولي الْمَقْتُول أَخا الْقَاتِل أَو ابْنه، وَيعود هَذَا فَيقْتل وَاحِدًا مِنْهُم، ويدور الْأَمر كَذَلِك فَقَالَ

1 / 188