وبيان ما ذهب إليه السلف من أئمة المسلمين في الاستدلال على معرفة الصانع وإثبات التوحيد وصفاته، وسائر ما ادعى أهل الكلام تعذر الوصول إليه إلا من الوجه الذي يذهبون إليه ومن الطريق التي يسلكونها، ويزعمون أن من لم يتوصل إليه من تلك الوجوه كان مقلدا غير موحد على الحقيقة! وهو أن الله تعالى لما أراد إكرام من هداه لمعرفته بعث رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وقال له: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}، وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع وفي مقامات له شتى وبحضرته عامة أصحابه: ((ألا هل بلغت؟))، وكان الذي أنزل الله من الوحي وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه؛ قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم}، فلم يترك صلى الله عليه وسلم شيئا من أمور الدين وقواعده وأصوله #408# وشرائعه وفصوله إلا بينه وبلغه على كماله وتمامه، ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه، إذ لا خلاف بين فرق الأمة أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحال. ومعلوم أن أمر التوحيد وإثبات الصانع لا تزال الحاجة ماسة إليه أبدا في كل وقت وزمان، ولو أخر عنه التكليف لكان التكليف واقعا بما لا سبيل للناس إليه، وذلك فاسد غير جائز.
وقد ثبت عند الموحدين أمر التوحيد من وجوه:
أحدها: ثبوت النبوة بالمعجزات التي أوردها نبيهم صلى الله عليه وسلم من #409# كتاب أعياهم أمره وأعجزهم شأنه، وهم العرب الفصحاء والخطباء والبلغاء، فكل عجز عنه ولم يقدر على شيء منه بوجه فالعجز موجود والانقطاع حاصل.
هذا إلى ما شاهدوه من آياته وسائر معجزاته المشهورة عنه، كحنين الجذع لمفارقته، ورجف الجبل تحته وسكونه لما ضربه برجله، وانجذاب الشجرة بأغصانها وعروقها إليه، ونبع الماء بين أصابعه #410# وغير ذلك من المعجزات.
فلما استقر لما شاهدوه من هذه الأمور في نفوسهم، وثبت ذلك في عقولهم صحت [عندهم] نبوته، ووجب تصديقه على ما أنبأهم من الغيوب، ودعاهم إليه من أمر وحدانية الله تعالى وإثبات صفاته، وقد نبههم الكتاب عليه، ودعاهم إلى تدبره #411# وتأمله، والاستدلال به على ثبوت ربوبيته، فقال عز وجل: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
وذكر الآيات التي قدمناها في التفكر في خلق السموات وغيرها.
صفحہ 407