عندئذ تركتني أذهب، وخرجت وأضأت أنوار السيارة؛ ولكن عندما رجعت، كانت لا تزال واقفة هناك كرمز للهلاك ومعها الخطابان، خطابي وخطاب المحامي، أمامها على الطاولة. تمالكت نفسي بعض الشيء، وحاولت مرة أخرى، قائلا: «اسمعي يا هيلدا، إنك لم تفهمي الموقف جيدا؛ ويمكنني أن أشرح لك الأمر كله.» «أنا متأكدة أنك تستطيع أن تشرح وتبرر أي شيء يا جورج. ولكن السؤال هو: هل سأصدقك؟» «ولكنك تسرعت في الحكم! ما الذي جعلك تكتبين للفندق على كل حال؟» «لقد كانت فكرة السيدة ويلر. وكانت فكرة جيدة للغاية أيضا، كما اتضح بعد ذلك.» «أوه، السيدة ويلر، هل كانت هي صاحبة الفكرة؟ إذن أنت لا تمانعين في إطلاع تلك المرأة اللعينة على شئوننا الخاصة؟» «لم تحتج إلى من يطلعها على شيء؛ فهي من حذرتني مما تنوي فعله هذا الأسبوع. قالت إنه بدا أن شيئا أوحى لها بذلك. وقد كانت محقة، كما ترى. إنها تعلم كل شيء عنك يا جورج؛ فقد كان لها زوج مثلك تماما.» «ولكن يا هيلدا ...»
نظرت إليها، وكان وجهها قد شحب لونه بعض الشيء؛ فقد كانت هكذا تبدو عندما تظن أنني كنت مع امرأة أخرى. امرأة أخرى! يا ليت ذلك كان صحيحا!
يا إلهي! ما الذي كان ينتظرني؟! تعلم ما سيبدو عليه الأمر. أسابيع من التذمر المروع والعبوس المستمر، والملاحظات الخبيثة التي تأتيك بعدما تظن أن الهدوء قد عاد؛ وتتأخر الوجبات دائما، ويريد الطفلان أن يعرفا سبب كل ما يحدث. ولكن أكثر ما أحبطني كان البؤس العقلي، تلك الأجواء الجنونية التي جعلت السبب الحقيقي لذهابي إلى لوير بينفيلد لم يكن حتى مقنعا. كان ذلك ما خطر ببالي في الأساس في تلك اللحظة، فلو قضيت أسابيع أشرح فيها لهيلدا سبب ذهابي إلى لوير بينفيلد، فلن تفهم أبدا. ومن بإمكانه أن يفهم ممن يعيشون هنا في شارع إلزمير؟ يا إلهي! هل أنا نفسي أفهم السبب؟ بدا كل شيء يتبخر من ذهني. لماذا ذهبت إلى لوير بينفيلد؟ وهل ذهبت إلى هناك بالفعل؟ بدا الأمر في تلك الأجواء بلا معنى؛ فلم يكن شيئا حقيقيا في شارع إلزمير سوى فواتير الغاز، ومصاريف المدرسة، والكرنب المسلوق، والعمل يوم الإثنين.
في محاولة أخيرة، قلت لهيلدا: «ولكن اسمعي يا هيلدا! أعلم ما تظنين، ولكنك مخطئة تماما. أقسم لك إنك مخطئة.» «أوه، لا يا جورج! إن كنت مخطئة، فلماذا كان عليك إخباري بكل تلك الأكاذيب؟»
لا مفر من ذلك، بالطبع.
سرت خطوة أو خطوتين جيئة وذهابا. كانت رائحة معاطف المطر القديمة قوية للغاية. لم أهرب هكذا؟ ولم أهتم بالمستقبل والماضي، وأنا أرى أن المستقبل والماضي لا يهمان؟ أيا كانت دوافعي، فأنا بالكاد أتذكرها الآن. الحياة القديمة في لوير بينفيلد، والحرب وما بعد الحرب، وهتلر، وستالين، والقنابل، والمدافع الآلية، والطوابير على الطعام، والهراوات المطاطية، كل ذلك كان يتلاشى. ولم يتبق شيء سوى شجار وضيع وسوقي في ظل رائحة معاطف المطر القديمة.
وفي محاولة أخيرة، قلت: «هيلدا! فقط استمعي لي دقيقة. اسمعي، إنك لا تعلمين أين كنت طوال هذا الأسبوع، أليس كذلك؟» «لا أريد أن أعلم أين كنت؛ فأنا أعلم ماذا كنت تفعل، وهذا يكفيني.» «لكن اللعنة ...»
لا فائدة، بالطبع؛ فقد قررت أنني مذنب، والآن ستخبرني بما تظنه في، وقد يستغرق ذلك ساعتين. وبعد ذلك ستلوح مشكلة أخرى في الأفق، لأنها عما قريب ستتساءل عن مصدر النقود التي أنفقتها في الرحلة، ثم ستكتشف أنني كنت أخبئ عنها أمر الجنيهات السبعة عشر. بالطبع لا يوجد ما يمنع أن يستمر هذا الشجار حتى الثالثة فجرا، ولا فائدة من لعب دور البريء الضحية. كل ما كنت أريده هو أقل قدر من المقاومة. وراجعت في ذهني الاحتمالات الثلاثة، والتي كانت:
أولا:
أن أخبرها بما كنت أفعله بالفعل، وأجعلها تصدقني بطريقة أو بأخرى.
نامعلوم صفحہ