قدت السيارة عبر تل تشامفورد؛ وبالأسفل، استدار الطريق وسار بمحاذاة مسار جر القوارب، فخرجت من السيارة ومشيت. أوه! هناك مجموعة من بيوت الطابق الواحد الصغيرة الحمراء والبيضاء ظهرت بجوار الطريق. كان يجب أن أتوقع ذلك بالطبع. وبدا أن الكثير من السيارات واقفة في المكان. وكلما اقتربت من النهر، كنت أسمع صوتا، صوت أجهزة الجرامافون.
شعرت بخيبة أمل ووصلت إلى حيث يمكنني رؤية مسار جر القوارب. يا إلهي! صدمة أخرى! كان المكان محتشدا بالناس، وحل محل المروج المائية صالات الشاي والآلات التي تعمل بالعملات المعدنية وأكشاك الحلوى والرجال الذين يبيعون مثلجات وولز. بدا المكان كبلدة مارجيت الساحلية. أتذكر مسار جر القوارب القديم؛ حيث كان بإمكانك السير فيه لأميال، وباستثناء الرجال على بوابات الهويس، وسائق صندل من حين لآخر يتسكع خلف حصانه، لم تكن ترى أحدا. عندما كنا نذهب للصيد، كنا دائما ما نكون في المكان وحدنا. وكنت عادة أجلس هناك طوال وقت ما بعد الظهيرة ، وكان طائر البلشون يقف في الماء الضحل، الذي يبعد مسافة خمسين ياردة من الضفة؛ ولثلاث أو أربع ساعات بلا انقطاع، لم يكن ثمة أحد يمر ليفزعه ويبعده عن مكانه. ولكن من أين جئت بفكرة أن الرجال الناضجين لا يذهبون للصيد؟ أعلى وأسفل الضفة، على طول نظري في كلا الاتجاهين، كانت ثمة سلسلة مستمرة من الرجال يصطادون، واحد في كل خمس ياردات. تعجبت كيف تمكنوا بحق الجحيم جميعا من الوصول هناك، حتى خطر ببالي أنه لا بد من أنهم ينتمون إلى ناد للصيد أو ما شابه. وكان النهر مكتظا بالقوارب، قوارب التجديف، وقوارب الكنو، وقوارب البنط، والقوارب البخارية ذات المحركات، التي كانت مليئة بالشباب الأحمق شبه العراة، الذين جميعهم يصرخون ويصيحون ومعظمهم معهم أجهزة الجرامافون على متن القارب كذلك. أما طوافات الرجال المساكين، الذين كانوا يحاولون الصيد، فكانت تتأرجح لأعلى وأسفل بسبب الأمواج التي تتسبب فيها القوارب ذات المحركات.
تمشيت قليلا. كانت المياه قذرة وأمواجها الصغيرة متلاطمة؛ على الرغم من الطقس الجيد. لم يكن أحد يصطاد شيئا، ولا حتى سمك المنوة. تساءلت إن كانوا يتوقعون أن يصطادوا شيئا؛ فحشد كذلك كفيل بإخافة كل الأسماك في الكون. ولكن بالفعل عندما كنت أشاهد الطوافات تتأرجح لأعلى وأسفل بين علب المثلجات والأكياس الورقية، انتابني شك فيما إذا كانت هناك أي أسماك لاصطيادها. هل لا يزال ثمة سمك في نهر التيمز؟ أعتقد أنه لا بد أن السمك لا يزال في النهر، ولكني أقسم إن مياه النهر لم تعد كما كانت بالماضي؛ فلونها قد تغير كثيرا. بالطبع تعتقد أن هذا من نسج خيالي فحسب، ولكني يمكنني أن أقول لك إنه ليس كذلك. أعلم أن الماء قد تغير؛ إذ أتذكر كيف كانت مياه نهر التيمز خضراء شفافة، حتى إنه كان يمكنك رؤية ما في أعماقها، كما كان يمكنك رؤية أسراب سمك الداس وهي تحوم حول قصبات العشب. أما الآن، فلا يمكنك الرؤية لثلاث بوصات أسفل المياه؛ فقد أصبحت بالكامل بنية ومتسخة، مع طبقة من الزيت عليها من القوارب ذات المحركات، ناهيك عن أعقاب السجائر والأكياس الورقية.
بعد قليل، بدأت أعود أدراجي إلى السيارة؛ فلم أستطع تحمل ضوضاء أجهزة الجرامافون. فكرت أن الوضع كان كذلك لأننا كنا في يوم الأحد، وربما لا يكون بهذا السوء في أيام العمل. ولكن على كل حال، عرفت أنني لن أرجع إلى هناك أبدا. لعنهم الله، فليحتفظوا بنهرهم اللعين. واعتقدت أنني أينما ذهبت للصيد، فلن يكون في نهر التيمز.
مرت الحشود علي. حشود من الأغراب، وكلهم تقريبا من الشباب. فتية وفتيات يتنزهون معا في أزواج. مرت علي كذلك مجموعة من الفتيات، يرتدين سراويل تتسع تدريجيا من تحت الركبة حتى الأسفل وقبعات بيضاء كالتي يرتدونها في البحرية الأمريكية، وكان عليها شعارات مطبوعة. كانت إحداهن، لا بد أنها كانت في السابعة عشرة من عمرها، ترتدي قبعة مكتوبا عليها «قبلني إذا سمحت». لم أكن لأمانع. قررت فجأة أن أنحرف عن الطريق وأذهب لأزن نفسي على إحدى الآلات التي تعمل بالعملات المعدنية. كان في مكان ما داخلها صوت نقر - تعرف تلك الآلات التي تخبرك بطالعك ووزنك في الوقت نفسه - وخرجت بطاقة مكتوبة على الآلة الكاتبة منزلقة منها، وكان فيها: «أنت تمتلك ملكات استثنائية، ولكن بسبب تواضعك المفرط لم تحصل قط على مكانتك اللائقة. الناس من حولك يقللون من شأن قدراتك. أنت مولع للغاية بالتنحي جانبا والسماح للآخرين بنيل التقدير على ما فعلته بنفسك. أنت حساس، وودود، ودائم الإخلاص لأصدقائك. وأنت جذاب للغاية للجنس الآخر. عيبك الأكبر هو كرمك. ثابر، لأنه سيرتفع شأنك!
الوزن: ثلاثة وتسعون كيلوجراما، وتسعمائة جرام.»
لاحظت أن وزني قد زاد كيلوجرامين في الأيام الثلاثة الماضية. لا بد أن ذلك بسبب الإسراف في الشرب.
4
قدت سيارتي رجوعا إلى فندق جورج، ووضعت السيارة في موقف السيارات، وتناولت كوبا من الشاي. ولأننا كنا في يوم الأحد، فلن يفتح البار قبل ساعة أو ساعتين. وفي برودة المساء، خرجت وتنزهت في اتجاه الكنيسة.
بينما كنت أمر على السوق، لاحظت امرأة تسير أمامي على بعد أمتار قليلة. وبمجرد أن لمحتها عيناي، شعرت بإحساس شديد الغرابة بأنني قد رأيتها في مكان ما من قبل. أنت تعرف ذلك الإحساس. لم أتمكن من رؤية وجهها، بالطبع، ولم أتعرف على شخصيتها من الخلف، ولكنني يمكنني أن أقسم إنني كنت أعرفها.
نامعلوم صفحہ